سقطت الدولة وضاع القانون وتشابكت المعانى وانعكست معانيها ، وصعب على الكثير التفرقة بين الحابل والنابل والجانى والمجنى عليه وبين الثائر الحر والمجرم ، بين الحق والباطل بين الغاصب والمغتصب، بين الحر المنتمى لوطنه والعبد المنتمى للعدو والخادم لمصالحه. ولكى نتعرف أكثر على مثير الشغب الحقيقى لابد لنا أن نعرف معنى الشغب ومظاهره ومسبباته، فهذا بالطبع سيسهل لنا تحديد أقطاب إثارة الشغب الحقيقيين والذين لهم مصالح فى زرعه وانتشاره. الشغب هو حالة متأججة من الفوضى العارمة، يتباين حجمها ارتباطاً بالظروف المحيطة بها، وقد لاحظنا فى العامين الماضيين أن الفوضى الممنهجة هى وحدها القادرة على إحداث أشرس أنواع الشغب فشاهدنا القتل والنيران والتكسير والسرقه وأعمال العنف فى الشوارع وإلخ . وقادنا هذا إلى أن السلطات الحاكمة وحدها هى القادرة على خلق هذا الأسلوب من الشغب الناتج عن الفوضى المدروسة، فالسلطة الحاكمة وحدها هى التى تملك اختلاق المشاكل والقضايا المثيرة للاستفزاز بين قطاعات واسعة من الجماهير ، فنرى طرح قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية دون شفافية، ولا حداً أدنى من المصداقية فبالإضافة إلى طرحها بشكل مبالغ فيه، وبرسائل توحى بمدى خطورتها على الوطن والمجتمع والفرد ، وفى نفس الوقت يوحى بصعوبة الحل أو البديل واتخاذ قرارات والرجوع فيها أو إعلان تصريحات ثم نفيها، ليقع المواطن فى دوامة القلق والحيرة والتخبط مما يؤدى فى النهاية لحالات الاكتئاب والإحباط ، وهنا يسعى المواطن لحل مشكلته بشكل فردى معتمدًا على ذاته ، فيفشل نتيجة لغياب الدولة وقصديتها فى أن يصل المواطن لحالة من الاختناق واليأس ، فيتولد فى هذه اللحظة التفكير الجماعى خاصة بعد أن أصبحت معظم القضايا عامة، ويتكون هنا الشعور بضرورة فكرة الدفاع الجماعى عن الحق فى الحياة، فنجد الشعب وقد ثار مفكرًا استخدام جميع الوسائل الممكنة، وجاء هذا المشوار الطويل والصعب بعد الإحساس المتنامى بالذل والقهر والنهب المنظم لأبسط حقوقه ، رأينا طفرة الوعى السياسى الذى ارتبط بثورة 25 يناير ، عند الصغار قبل الكبار فكانت محاولاتهم الوقوف فى مواجهة سارق حقهم فى الحياة، فكسروا حاجز الخوف وعرفوا حقوقهم وميزوا بين العدو والصديق ، فرأيناهم يثورون ويحتجون بكل الوسائل ، وهكذا الشعوب فى ثوراتها ، نجدها فى إبداعات دائمة لكل ما هو جديد ومبتكر . بقى أن نعرف أنه لم يوجد بعد على وجه الأرض دولة منصفة لحق شعبها ، حيث تجىء الدولة بركائز ودعامات لسلطتها فنجدها متسلحة بأدوات قمعها فى مؤسسات حديدية قمعية، لأنها تعلم جيداً أن وجودها واستمراره واستقراره لن يكون إلا بمواجهة الشعب إذا فكر لحظة أن يكون معارضًا أو مطالبًا بحقه..ومن هنا فالثورات ليست بالشىء الجميل إنسانيًا ، لأن الشعوب فى حربها لانتزاع الحق من غاصبها، تفقد الكثير، ولكن الشعوب فى نفس اللحظة تكون قد أيقنت وآمنت بأن الثورة هى الطريق الوحيد للحرية عندما تسد فى وجهها كل الطرق. نظام.. كان المرض هو فى لب هذا النظام، نعم وجود مثل هذا النظام هو المرض وأسبابه ومازال، أما العرض فهى الثورة والثوار وحراك ثورى دائم حتى القضاء على المرض من جذوره. نظام فى جميع مراحله أجرم فى حق شعب وعمل جاهدًا للقضاء على هذا الشعب العقبة أمامه ومشاريعه، وكانت الثورة هى العلاج ولا بديل. وهنا نخلص إلى أن مثير الشغب الحالى هو- محمد مرسى العياط وعشيرته- فوحده يدفع الشعب لأقصى درجات الاستفزاز، بل ويستخدم الرسائل الفاشية لمواجهة الشعب المستنفر بسبب أفعاله وحكومته، فمن خطف لاعتقال لقتل لسحل بل وعدم الالتفات لصراخ البلاغات المقدمة لنائبه العام ، بل والإفراج عن قتلة الثوار، وسب الثوار ومحاولات تشويه الثورة وميادينها . الثورة مستمرة والنصر للشعوب المقاتلة .