توقف أمامى بدراجته البخارية المتهالكة التى تحمله وصديقه النحيف.. تلاحقت أنفاسه قبالتى وأخذ يمسح عرقه، ثم نظر باشتهاء نحو علبة سجائرى وطلب سيجارة.. تجاهلته فأعاد عليّ طلبه بنفس الابتسامة.. تركت كتابى، ونظرت شاخصة لقطرات العرق التى يتصبب بها وجهه رغم برودة ديسمبر.. خرج النادل من مقهاى الذى أجلس خارجه وهم أن يزجره، لم تثنه نظرات النادل المتوعدة، ولا نظرة الاستياء التى أطلقتها فى وجهه.. طلب السيجارة للمرة الثالثة. شئ ما بداخلى حدثنى أنه فى احتياج لتلك السيجارة ! أعلم ذلك الشعور.. ليس جسده وحده الذى يحتاج لتلك الملليجرامات من النيكوتين.. إنها روحه الباردة تقاومها ابتسامته الساخرة التى تعلو وجهه المتوهج بالعرق. نهره النحيف بشدة لا تخفى ابتسامة منعها أن تنطلق إندهاشاً من سلوك صديقه ناظرا إلى معتذرا عن نزق ذلك البدين أشار له نحوى وهو يقول بثقة: أنا عارف إنها هتدينى سيجارة.. كنت قد عقدت عزمى بالفعل على منحه السيجارة إلا إن ثقته ونظرته المحايدة جعلانى أرسم نظرة حادة وسألته بجدية : إنت عاوز سيجارة ولا بتستعبط؟ أجاب ونصف ابتسامة تملأ وجهه: عايز سيجارة.. أعطيته إياها فالتقطها مسرعاً، ولم ينظر نحوي، ومضى مبتهجاً أسبقه لمكان لقيانا بساعة، أحب لهفتى فى انتظاره كالسيجارة التى تسبق نور الصباح إلى عينى جلست أقلب حقيبتى بحثا عن علبة السجائر الاضافية ، ظللت لدقائق أتساءل.. كيف تركتها ؟ أين ؟ لا يجوز لى أن أنسى سجائرى الإضافية ، أليس هناك من يبيع السجائر فى هذا المكان الفخم؟! تلفت حولى فوجدتها جالسة تحملق فيّ و تعلو وجهها الإبتسامة ذاتها،أشارت نحو علبة سجائرها بتودد، تقدمت صوب طاولتها ومددت يدى وسحبت سيجارة، ثم مضيت دون أن أنظر إليها. عدت لطاولتى وزفرت سحابة الدخان تأملت دوائرها وهى تتلاشى.. انسدلت حبة عرق فوق خدى رغم برودة ديسمبر وأغمضت عينى حتى تنسدل حبة العرق لأستمتع بمداعبتها لوجهى.