من المسلمات أن السلطة لها بريقها الذي يفوق بريق المال في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة تكون السلطة الطريق للحصول على المال، وأحيانا قليلة يكون المال هو الطريق للوصول إلى السلطة. ومن القلة من يكون له عمل إصلاحي، سواء كان في شكل ثورة تغيير أو حركة إصلاحية أو عمل من أجل إنهاء وضع يشوبه الظلم والفساد عندما ينتصر يترك السلطة بعد نشوة النصر إلى من انتصر لهم وهم الشعب؛ لأن معظم من يقومون بالثورات عبر التاريخ، خاصة المجتمعات المتخلفة ديمقراطيًّا، عندما يحققون الانتصار يقومون بالاستيلاء على كراسي الحكم، وهنا يفقدون كل المصداقية فيما كانوا يطرحونه من مبادئ تدافع عن حقوق الإنسان وكرامته، ولا تسعى لأن تكون السلطة الشرعية منتخبة من قبل الناس جميعًا، أصحاب الفضل في المجتمع الذي أنجبهم كثوار، بل ينسون كل ذلك، ويطولون المدة الانتقالية، ويسعون إلى اللعب في الانتخابات من أجل بقائهم في السلطة، أو يضعون من يريدون ويسيرون الأمور من وراء الكواليس. بل إن الأدهى والأمر من ذلك، أنهم بحجة المحافظة على الثورة ومبادئها الفضفاضة يقومون بتأسيس وسائل قمع في بعض الأحيان تتجاوز الوسائل التي ثاروا ضدها أصلا. إن هذا ما حدث لنا في ليبيا، مجموعات الثوار، البعض منهم أغراه بريق السلطة، فأصبحت له كتيبة وأرتال حراسات ومال يتحصل عليه بطرق غير مشروعة، رغم بعض الغطاء الرسمي الشكلي البعيد عن الحقيقة، ويتمتع بهذا الزخم الكبير من العظمة الذي ساهم فيها الإعلام، الذي أقل ما يوصف به في بعض القنوات، أنه "غبي أو مؤدلج" يستهدف تعظيم هؤلاء لتمرير أجندات خارجية داخل ليبيا. وتأتي الطامة الكبرى بظهور مجموعات تسعى إلى تكفير الدولة الليبية وتغتال قياداتها العسكرية والمدنية، ونجد هؤلاء الثوار للأسف (وهنا لا أعمم) يسعون إلى التستر على هؤلاء المجرمين بحجج كثيرة ومتنوعة، بل أصبح البعض منهم يمارس الاعتقال والانتقام، ويمارس دور الأمن والاستخبارات بشكل قمعي فاق ما كانت تقوم به أجهزة النظام السابق الذي ثار الشعب عليه. والآن وفي هذا الوقت يحضرنا سؤال مهم: هل أنتم أيها الثوار الأفاضل ستنضمون إلى شعبكم وتحققون طلباته المتعددة في: - مكافحة الإرهاب والتكفيريين والخلاص منهم. - انضمام كل المجموعات المسلحة كأفراد للجيش والشرطة. - تسليم السلاح للأجهزة الرسمية للدولة. - تجميد ممارسة أعضاء المؤتمر الوطني العام لأعمالهم والإسراع في انتخاب مجلس النواب. إذا كنتم مع ذلك فسارعوا بالانضمام لكل من يحارب الإرهاب وأثبتوا للناس أنكم منحازون لإرادتهم، التي هي الأعلى من أي طرح يخص مبادئ وأهداف ثورة فبراير، كما تقولون؛ لأن هذه الأهداف والمبادئ لا قيمة لها إن كانت لا تخدم واقعيًّا متطلبات الشعب الليبي. علينا الآن بكل الجدية في الالتفاف مع بعضنا البعض، بصرف النظر عن الأسماء والخلفيات، وأن نضع- فعلًا لا قولًا- أنفسنا في خدمة معركة "كرامة هذا الشعب العظيم" وإنهاء معاناته من بطش الإرهابيين والمجرمين. ولن نرضى بعد هذه التجربة المريرة إلا بالشأن الديمقراطي بدون أي توجهات تخدم أجندات خارجية أو تلبس جلباب الإسلام من أجل الوصول إلى السلطة. آن الآوان لليبيا أن تقف وقفة رجل واحد من أجل تحقيق ذلك، وسيساندنا حتمًا المجتمع الدولي، وبالتالي فإن الأمر سيحسم لصالح الشعب وإرادته، وتنتهي إلى غير رجعة عمليات الإجرام ويعم البلاد الاستقرار والأمن. وها هي الجامعة العربية والأمم المتحدة وكل الدول أصدقاء ليبيا يعودون للقيام معنا بدورهم الأساسي في عون الليبيين لخلاصهم من كافة أشكال الظلم والإجرام والطٌغاة الجدد، ليعيش الليبيون والليبيات جميعًا- باختلاف أطيافهم وتوجهاتهم غير المتطرفة- أخوة أفاضل في محبة وعزة ووئام، بإذن الله تعالى. [email protected]