وجوه موجودة وغير موجودة أتصفح الجرائد فى كل صباح، استعداداً لحصولى على المواطنة الكاملة والتخلص من مسألة «تحت التأسيس» هذه، وقد قال لى دكتور علم النفس السياسى إن الطريق لا يزال طويلاً، حتى استطيع التغلب على التصاق الإفرازات السياسية للماضى إذ تقول كتب علم النفس السياسى أننى بحاجة إلى عملية يسمونها؛Residual Political Detoxification بقايا التنظيف السياسي»، وأن هذا يتم بإدخال ثقافة المواطنة والديمقراطية عن حق بداخلى بشكل تدريجى من خلال المفاهيم الصحيحة، وحقيقة الأمر أننى استمع لما يقوله لى وأطبقه بحذافيره. ومع التزامى الكامل ببروتوكول العلاج النفسى والريجيم النفسى للشعور بالمواطن المحروم، بدأت تظهر على مؤخراً مشاكل أخرى، فذهبت إلى الدكتور على الفور، فقال لى فى أول الجلسة: أخبارنا إيه النهارده»، فأجبته بتردد شديد «أصل المشكلة يا دكتور أننى بدأت أميل للعودة إلى الماضى رغم أننى أرفضه تماماًَ والله... أقسم لك.. والله الذى يتهز له. ..» قاطعنى الدكتور وقال: مفهوم مفهوم... إيه بالضبط الذى تفتقده يا مواطن بك؟ فقلت له بتردد «بصراحة كده... بصراحة... يعنى أنا بقيت مفتقد الشخصيات اللى كنت بشوفها حوليا، يعنى مثلاً معدش فيه واحد زى القذافي... حضرتك متخيل الحياة من غير القذافى أو على عبد الله صالح.... إزاى اتفرج على التليفزيون... حتى بن على اللى كنا بنشوفه فى الماتشات معدش موجود.... أى ظاهرة ان الدكتور مبتسماً: هذا بنسميه فى علم علاج الإدمان Withdrawal Syndrome أى «انسحاب المخدر من الجسم»... وفى علم النفس السياسى نفس الشيء يحدث يا عزيزى المواطن... ده طبيعى خالص... فأنت تشعر أن المخدر بدأ ينسحب من جسمك فبقيت تعبان... والمخدر هنا هى السلوك والشخصيات وانعكاساتها منذ العهد البائد... هذا طبيعي.. طبيعى قوى لا تقلق!! قلت للدكتور بخجل شديد: بس أصل ده مش نهاية الموضوع؟. ..أنا مكسوف... يعني... يعني.. قاطعنى الدكتور قال: إيه قلبت معاك بتبول لا إرادي؟ فقلت له على استحياء: لا مش القصد...، يعنى أصل... أنا بدأت افتقد رموز النظام القديم فى التليفزيون... يعنى فين خطاب الرئيس السابق فى عيد العمال وموضوع المنحة... ولما كان بيهزر فى افتتاح المشاريع... واللا بعض الوزرا اللى بقيت بينا وبينهم عشرة زى ما تقول. قال الدكتور بابتسامة: «حد معين فى ذهنك»، فقلت له عن استحياء «الأجيال كلها يا دكتور... يعنى السياسى اللى كنا فاكرينه ألدغ لما كبر أتارى المشكلة كانت فى طقم الأسنان، واللا الوزير اللى بيلعب بالتليفون فى مجلس الشعب... ولا الأخ عز وهو يقود مجلس الشعب....». ابتسم الدكتور وقال بنبرة حنان «لا تحزن... ده شيء طبيعى والله.. أنت عارف الراجل ومراته اللى خرجوا من هنا قبل ما تدخل... كانت مشكلتهم أن الزوجة مش قادرة تعيش من غير إذاعة جلسات مجلس الشعب حتى بعد ما بدأت تتابع المسلسل التركي... وجوزها مش قادر يتأقلم من أيام ما لغوا برنامج العالم يغنى بتاع حمدية حمدي!! قلت للدكتور «هل عندك حل لمشكلتي؟»، فابتسم وقال «لازم حضرتك تبدأ تتغير من الداخل... تغير الماضى بإيدك... انت قوى لا تستسلم... غير الماضى اللى جواك والهياكل اللى خلقها النظام جواك... غير الماضي... ده كلمة السر. ثم سلم لى ورقة فيها مجموعة من «الريجيمات السياسية» «للاستشارات النفسية السياسية»