ربما تعتقدون أننى أبالغ، لكن علماء الأزهر هم أجدادى، وأبى أحد فروعهم وأنا من نسله.. يخفق قلبى خفقات مضاعفة -فعليا- كلما شاهدت أى شيخ أزهرى.. خفق قلبى ومنعنى مرافقى من أن أذهب لتقبيل يد الشيخ أنس الأزهرى، الذى أصيب فى عينه فى أحداث 19 نوفمبر، فى أثناء جنازة الشيخ عماد عفت. هل مات الشيخ عماد عفت؟! نعم.. هل كان هو نفس الشيخ الأزهرى الذى استنجدت به يوم موقعة الجمل وبكى معى؟ نعم.. تأكدت من ذلك من الصور التى شاهدتها بعد استشهاده! شيخ أزهرى سقط شهيدا فى ميدان المعركة.. وقْع الخبر كان كالصاعقة.. من الشيخ؟ هو الشيخ عماد عفت؟ هل لى بصورة له؟ وجدت عشرات الصور والفيديوهات.. قابلت هذا الشيخ الجليل مرتين.. مرة يوم موقعة الجمل وبكينا معا من قلة الحيلة، والثانية بإحدى مليونيات ما بعد الثورة، وكان هذا الرجل يقول فيها: الفقراء ثم الفقراء.. من بعيد سمعته وكنت أرغب فى تقبيل يده. اليوم زاد عدد الشهداء واحدا.. أو زادوا عشرا بل مئة، فالشيخ عماد، ليس شخصا واحدا.. هو مؤسسة كاملة كنا نرجوها أن تصلح حال البلاد والعباد، بعلمها وفقهها، وتخلت عنه المؤسسة بسبب رؤسائها محبى المناصب وخدم السلطان، فحارب وحيدا باسم مؤسسة لا شك أنها طوق النجاة لمصر الكبيرة من التجار والخدم.. الشيخ عماد كان أمل المصريين كافة، فى وسطية تحميهم من تجار السواك والمتلذذين بالحديث عن تبرج المرأة وسفورها والمتبلدين التافهين الذين خذلوا مسلمى العالم بترويجهم أحكام وشروط النكاح قبل ترويجهم سماحة الإسلام ورحابته، حتى جعلوا المسلمين كمن جاؤوا عالة على العالم، أو على أقل تقدير.. جعلونا سخرية العالم. مات الشيخ عماد، وعندما أعلنت أننى سأسير فى جنازته، انتابت البعض هيستيريا مقيتة، فالإسلام يلعن المرأة التى تسير فى جنازة.. ما أقذركم! وهل هذه مجرد جنازة؟! وهل يلتفت الله إلى تفاهاتكم؟ هل يلتفت الله إلىّ أنا الخائبة ليلعننى، بينما يترك من قتلوا شيخى الجليل؟! ما أخيب ناقلى العلم عن شيوخ الفضائيات.. بل ما أخيب الناقلين عموما، فالدين لا يعنى التسليم الغبى لما يقال، لكنه يعنى بمنتهى الرحابة.. التفكر والتدبر. تحدثت مع صديقتى ووالدتها وصديق ثالث، متفقين جميعا على السير فى جنازة الشيخ عماد عفت، وكانت جنازة مهيبة تليق بشيخ جليل.. شاهدت فيها علماء الدين الأزهريين يسيرون بمهابتهم المعهودة.. كانوا غاضبين حزنى.. بئس من يغضب رجال العلم والدين.. بئس من يُحزن ويحنى رؤوس رجالات الأزهر الأجلاء! كنا نهتف فى الجنازة لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله.. وكانت صديقتى ووالدتها تهتفان بحماس يتجاوز حزنى.. قلت لصديقتى: قدم الأزهر شهيدا.. قالت لى: الحمد لله، وكأنها تقرأ أفكارى.. قلت لها: كنت أتمنى أن لا يكون الشهيد هو الشيخ عماد، فنحن نحتاج إليه فى الفترة القادمة، وأبناؤه يحتاجون إليه.. قالت لى: هو شهيد فى الجنة.. قلت لها: إلى الجنة ونعيمها يا شيخ عماد، لكننى كنت أتمنى أن يضحى غيره بحياته، فما أحوجنا الآن إلى الشيخ عماد بفهمه وتفهمه وتجاوبه وتجاوزه وعمقه ورجاحة عقله.. ثم الأهم سماحته وعفوه.. قالت لى: نحن نرد لله هدية رفضنا أن نحتفظ بها. قلت لها: فليتقبل الله جهلنا وليعفو عنا، فنحن لم نعرف قيمة الشيخ عماد الدين عفت، قبلة القادمين إلى مصر الوسطية الحنونة الطيبة المتفهمة العاقلة غير المستفزة لغير المسلمين من أى ملة وأى دين. ملحوظة: صديقتى مسيحية.. ترى كما أرى أنا أن الأزهر والأزهريين هم ملائكة الإنقاذ لمصر التى سمعنا عنها وأحببناها وقمنا بالثورة لاستردادها من البدو الذين اختطفوها إلى صحارى بلا واحات! كان ينقص مؤسسة الأزهر الشريف شهيد تجادل به المغيبين وتجار الدين.. كان ينقصها شهيد يحب تلاوة القرآن على طريقة المقرئين المصريين الأجلاء.. عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمد رفعت والطبلاوى ومحمد صديق المنشاوى.. كان ينقصها شهيد يكون وعيها الذى تجادل به الباحثين عن أختهم كاميليا الغبية التى تشاجرت مع زوجها الغبى فأشعلت مصر، بينما أختهم الحقيقية كانت ملقاة فى قلب ميدان.. يتكالب عليها قطاع طرق يرتدون زيا عسكريا.. كان ينقص مصر استشهاد الشيخ الأزهرى الجليل عماد عفت.. حامل القرآن ومطبق وناقل صحيح الدين الإسلامى لننتبه إلى احتياجنا إلى دور الأزهر الشريف فى مرحلة مخجلة للسلطة ولرجال الدين أو من يدعون أنهم كذلك.. ابكوا عليه واتبعوا ملته ونهجه، فقد كان والله أجمل خلق الله.. إلى جنة الخلد يا شيخى الجليل.