دخلت مكتبي يوم السبت الماضي لأجد زميلتي وصديقتي القبطية والتي نتشارك أنا وإياها نفس الغرفة رقم 901 بالدور التاسع في مبنى الأهرام الجديد منذ سنوات طويلة، في حالة حزن غريبة وبدت لي وكأنها قضت ليلة لم تنقطع فيها عن البكاء.. عينيها حمراواتان بشدة ومنتفختان.. وتصورت أن الأحداث المؤسفة التي مرت بها مصر فى تلك الليلة بالإضافة إلى استشهاد الشيخ عماد عفت.. وهو زوج زميلة عزيزة بل وصديقة حميمة اجتمعنا جميعا على حبها واحترامها ولجأنا لزوجها الشهيد مرارا وتكرارا ليفيدنا بفتوى أو استشارة دينية لما لديه من علم و معرفة وسماحة واتساع صدر ورحابة ورحمة يلين لهما الحجر.. ولم يخب ظني فيما اعتقدت عن سبب حزن صديقتي ولكن زاد على مصائب تلك الليلة العصيبة مشاهدتها لحلقة تليفزيونية على إحدى الفضائيات أحمد الله أنني لم أشاهدها في وقتها لمناقشة "هل يحب المسلم المسيحي؟".. كارثة بجميع المقاييس عندما يطرح هذا التساؤل من الأصل.. الدكتور ياسر برهامي أفاد في مداخلة تليفونية خلال هذه الحلقة أنه لا يستطيع أن يحب الأقباط وقال بنص الكلمة "لا أسيء إلى من أبغضه".. هذه قضية أسمع عنها لأول مرة في حياتي، بل لم أسمع عن وجود الأخوة السلفيين من الأصل إلا بعد ثورة 25 يناير، والذين يفتون أن إسلامنا أمرنا بأن لا نحب من هم ليسوا على ديننا ولكن نحترمهم!! أي عقل يستطيع أن يصدق وأي قلب يستطيع أن يتجاوب مع ما يدّعون! نزلنا أنا وصديقتي -القبطية- من الجريدة وذهبنا للمشاركة في تشييع جنازة الشهيد الشيخ عماد عفت ولمست مدى ارتباكها عندما دخلنا إلى جامع الأزهر ليس لشيء في نفسها ولكن بسبب هذه الحلقة التليفزيونية التي شاهدتها ليلتها.. وشعرت بتساؤلاتها التي لم تكشف عنها "هل تحبينني حقاً؟" كانت الجنازة مهيبة بكل ما تحمل الكلمة من معاني عميقة لا تستطيع الكلمات وصف ما أصابنا وجميع مرتاديها من هزة داخلية وقشعريرة سرت في الأرواح قبل أن تسرى في الأبدان.. ولمسنا مدى حب الناس واحترامها لهذا الرجل.. وأسعدني وجود العديد من الأقباط بل والقساوسة في الجنازة ووجدت نفسي أسألها: اذا ما كان الشهيد الشيخ عماد عفت -رحمة الله عليه- يحبكم بحق هل تعتقدين أن هذا العدد من الأقباط والقساوسة سيسارعون لحضور جنازته بهذا الشكل؟ وكانت ابتسامتها المختلطة بالدموع جوابا شافيا للغل الذي امتلأ به صدري تجاه هذا التوجه المشوّه، والذي لا أعلم لمصلحة من يشوه الإسلام بهذه الطريقة! وإحقاقا للحق.. بعد أن شاهدت هذه الحلقة وبعد أن استنزفت آسفا على فكر بعض السلفيين جاءت مداخلة الشيخ الحبيب على الجعفري ليحسم هذا الخلاف بما قلّ ودلّ وبما لا يدع بعده أي مجالا للشك في مسألة هل يحب المسلم المسيحي، عندما قال للقمص فلوباتير "نعم أنا أحبك.. الله عز وجل علمني ذلك، والإسلام الذي أباح لى أن أتزوج من كتابية لا يمكن أن يمنعني من محبتها".. حسمت القضية التي لا أساس لها من الصحة.. وانتهى الجدل أو هكذا أتمنى.. ولكن هل كان ذلك وقت مناسب لمناقشة تلك المسألة؟ لابد إذاً من وجود حل جذري لقضية الإعلام.. لابد أن نكون قادرين على استيعاب مدى أهمية الإعلام في تشكيل وعى الأمم.. لابد أن نبدأ بالاعلام اذا كنا حقا نريد أن نضع أنفسنا على أول الطريق الصحيح.. والقنوات الخاصة التي انتشرت كما النار في الحطب والتي لا تخضع لأي رقابة على الإطلاق.. منها من يستبيح عقول شعبنا الطيب.. ومنها من يستبيح أخلاقياته ومنها من يدعو ويعلم المفاسد والخلاعة والتفاهة.. وأخيرا تتشوّه الأديان من خلالها.. لابد أن نحسن اختيار من يظهرون للحديث على الشاشة.. لابد أن نسرع بتشريع قانون يجرم أى فتوى دينية إلا عن طريق الأزهر.. لابد أن تكون مادة الدين مادة أساسية فى مدارسنا.. هذه ليست بحرية على الإطلاق بل هذه حرب أفكار يعظم مدى تدميرها للبشرية مقارنة بحرب السلاح.. وأخيرا أود أن أقول لصديقتي القبطية وجميع أصدقائي الأقباط.. "نعم أنا أحبكم رغما عن أنوفهم بل وأؤمن ايمانا عميقا أن اسلامي أمرني بهذا وليس عكسه كما يدّعى بعضهم".. المزيد من مقالات ريهام عادل