بينما المحقق يسأل علاء عبد الفتاح عن جملة جرائم دموية نسبها إليه مكاحل المومو مثل اختطاف مدرعات وقيادة مجنزرات وسرقة فلنكات وصواريخ ورشاشات، وقتل وحوش وإلقاء عساكر وضباط فى الريّاح التوفيقى وترعة المحمودية، قام علاء بتوجيه سؤال مهم جدا إلى الرجل لم يتلق إجابة عنه حتى الآن، لكن تلقّى قرارات متتالية بالحبس! كان السؤال وجوديا فلسفيا بصورة لا توصف. سؤال يلخص كل شىء ويجيب فى حد ذاته عن كل الأسئلة التى حار الخلق فيها. سأله: إنت مش لابس الطاقية ليه؟ بعدها بأيام كنا على مسافة بسيطة من شهر محرم حيث تهل ذكرى استشهاد الإمام الحسين فى كربلاء. وكأنما شاء القوم إلا أن يبعثوا من جديد كل الكلاب المسعورة من جند «يزيد بن معاوية» أولئك الذين نحروا الحسين بعد أن ذبحوا أبناءه أمام عينيه وأخذوا بنات فاطمة الزهراء وحفيداتها سبايا وساقوهن للكلب العقور فى قصره. كل هذا رأيته يحدث فى ميدان التحرير أمام عينىّ. رأيت «شمر بن ذى الجوشن» الذى حز رأس الحسين وهو يطلق النار على العيون فتنفقئ وعلى الرؤوس فتنشق وعلى الأجسام فتتفجر ويسيل منها الدم فى الشهر الحرام. رأيت جنود الحسين بأعدادهم القليلة فى شارع محمد محمود يحاولون أن يدفعوا عن الأمة البلاء ويتصدون بأرواحهم لرجال الشيطان بينما هؤلاء يحاولون التقدم ليفتحوا ثغرة إلى ميدان التحرير يتمكنوا منها من إطلاق النار على الشعب، وبعدها يسهل عليهم ذبح الإمام الحسين وأبنائه من جديد. لم يتقدم الزبانية خطوة إلا فوق أجساد الشهداء الأطهار الذين قام جند يزيد بسحبهم على الأرض وإلقائهم فى الزبالة، وكأنما كانوا موعودين من المجرم الكبير بعِظَم المكافأة كلما زادت أعداد الضحايا وتوسّع حجم الإهانة للجثث. كل كلب مسعور منهم كان على هيئة «ابن ذى الجوشن» وله نفس السحنة البشعة والرائحة النتنة. قناص العيون الذى تم تصويره وزملاؤه الذين لم يتم تصويرهم سارعوا إلى قصف العيون وقطف الرؤوس نتيجة إخلاصهم لتراث الوساخة الذى تعلموه على يد الآباء الأوائل من أكلة الأكباد.. كل واحد منهم كان يحدوه الأمل لينال الحظوة والترقية ويصير من المقربين من أكابر الضباع. لم أصدق عندما عبرت ميدان الفلكى واقتربت من شارع محمد محمود كيف استطاع الأبطال أن يحتملوا الموت والغاز والرصاص دون أن يشكوا ودون أن يتراجعوا. لقد انطلقتُ مسرعا ولم أحتمل الوقوف لأن الغاز الآتى من بعيد كاد يخمد أنفاسى ويصرعنى على الرصيف، وكم كنت خجِلا من نفسى لعدم قدرتى على الذود عن الأحباب فى الميدان عندما ابتعدت جريا هاربا من جحيم الأسلحة الكيماوية التى فتحوا مخازنها على مصراعيها للتعامل مع أبناء مصر.. أما جنود سيد الشهداء الإمام الحسين فلم يتراجعوا قيد أنملة، لكن فتحوا صدورهم للشهادة واللحاق بحبيب النبى. لله درّكم يا رجال الله وأولياءه الصالحين، يا من آمنتم بهذا الشعب وأخلصتم له وعقدتم النية الخالصة على أن تموتوا ليحيا. لله درّكم يا أبطال كربلاء الجديدة فى شارع محمد محمود حيث لم يكتف الكفرة الأوغاد بقصفكم لكن قصفوا المستشفى الميدانى الذى أنشأه أبطال مثلكم لعلاج الجرحى وقتلوا ثمانية من أطبائه البررة بالفسفور الأبيض. لقد أصاب الشاعر تميم البرغوثى كبد الحقيقة وطحالها عندما قال عن شباب مصر الذين ثبتوا فى وجه جنود الشيطان «يا مصر بعد السفر عاد للكلام معناه... و أهل مصر صحابى وأولياء الله. يا أوليا لسّه فى العشرين وفى التلاتين.. .يستنجدوا المؤمنين فى المأزمة بيكم». نعم أوليا لم يتعد أكبرهم سنا الثلاثين كانوا لشعب مصر النجدة والغوث فافتدوا مصر بأرواحهم وحاربوا بالحجارة قوات تقصفهم بالغازات السامة. أبطال محمد محمود هم حقا فخر مصر وعزها ومجدها وهم أول عمود وآخر عمود وكل أعمدة الخيمة المصرية، وهم النواة الصلبة التى نستند إليها ونستطيع أن ننام ونحن مطمئنون أن الكفار لن يستطيعوا إيذاءنا لأننا فى حماهم. طارق أمين الطالب بالفرقة الثانية بكلية الفنون التطبيقية واحد من هؤلاء الأبطال أصيب بانفجار فى العين اليسرى نتيجة طلق خرطوش أطلقه أحد أبناء ال«...» فى وجهه. قال طارق وهو لا يكاد يصدق «إحساس صعب إنك تلاقى شخص قدامك لا تعرفه ولا يعرفك وكل هدفه إنه يموتك.. أنا مصدوم لأنهم لو كَفَرَة ماكانوش يضربوا فى الوجه والعين.. دول حتى كانوا عاوزين يضربوا العين التانية التى لم تنج من الشظايا». برىء طارق، لا يدرى أنهم بالفعل كَفَرَة، لا يؤمنون بالله أو ملائكته وكتبه ورسله ولا يتصورون وجود اليوم الآخر.. يؤمنون فقط بمنصور العيسوى راعى القناصة وحاميهم ويؤمنون بالمجلس العسكرى الذى لا يحاكم القتلة، يؤمنون بالترقية والحوافز المالية التى يكسبونها من حصد الأرواح وفقء العيون وتكسير العظام، ولا تطيب لهم إلا اللقمة المغموسة فى الدم. هى كربلاء جديدة خاضها المجاهدون فى شارع محمد محمود ليثبتوا أن للحق رجالا لا يخونون حتى لو خان غيرهم وهرعوا لحصد الغنائم. ورغم كل هذا فإننا ما زلنا فى انتظار أن نعرف الإجابة عن السؤال الوجودى الخارق الحارق: إنت مش لابس الطاقية ليه؟!