نحن فى وقت عجيب، يُقال فيه كل الكلام المعقول وغير المعقول، فكل إنسان من حقه أن يقول شيئا بعد عقود من الكبت، ومن ثم فكل الناس فى مصر تتحدث -تقريبا- فى ذات الوقت، ولا أحد يجد الصبر، ولا الوقت، ولا طول البال للاستماع للآخرين، ولا للتأمل فى ما يقال، ولعلنا لا نجد أحدا يريد أن يسمع أصلا! ومن خلال البوابة الإلكترونية للصحيفة نقرأ كل يوم ما يكتبه الأصدقاء الأعزاء، والقراء الأفاضل، وتضاف إليهم كتابات أخرى واضح أنها مدفوعة الأجر! وبعض ما يُكتب يعتبر تعليقا مناسبا أو غير مناسب على ما نكتبه، وبعضها الآخر لا علاقة له -على الإطلاق- بما كُتب! ولعل هذه السلسلة اليومية «ارحل»، تعبر عن أطروحات قوى ثورية عديدة فى ميادين التحرير، كما أنها أيضا تعد رأيا معبرا عن رؤية كثير من الناس العاديين، رأوا بأعينهم ما صنعه بنا المجلس العسكرى عبر عشرة أشهر من اللف والدوران، أو التخبط والتوهان، والبعض يفضل أن يُطلق على ما حدث من المجلس العسكرى ووزارته الكسيحة اسم الثورة المضادة، التى تعمل بمكر ودهاء للقضاء على ثورتنا العظيمة. ومن ثم كان الهتاف الأعلى فى ميادين التحرير المصرية جميعا، هو هتاف: «ارحل»، فمن يفشل فى أداء دوره يجب أن يرحل فورا، ويترك الفرصة لمن يقدر على تحمل المسؤولية، والعبور بالوطن إلى بر الأمان الديمقراطى. لكننا بعد عقود طويلة من النظم الديكتاتورية المتتابعة، ما زال بعضنا يردد ذات السؤال الذى كان يُقال فى كل العهود السابقة، وهو: لمن يتركون الحكم؟! وكأنما هذا السؤال سيفحمنا، ولن نجد له جوابا! فى حين أن المجلس العسكرى طبقا للدستور، ما كان يجب أن يحكم مصر أصلا. إن مثله كمثل كل من حكمونا بتزوير إرادة الأمة فى العقود الستة الأخيرة! وثمة اقتراحات كثيرة للتعامل مع فكرة تسليم السلطة، لكن القضية ليست قضية البحث عن مخرج سياسى أو دستورى لعلاج الأزمة، وإنما الموضوع ببساطة ووضوح، يتعلق بالتشبث بأهداب السلطة الزائلة! ومن هذا المنطلق تم الهجوم على ميدان التحرير يوم السبت 19 نوفمبر، وطوال الأيام الستة التالية، وارتفعت أرواح عشرات من شهدائنا الأبرار، وسقط الآلاف من الجرحى الأبطال، كل ذلك من أجل استقرار الحكام فوق عرش المحروسة! فكم عدد الشهداء والمصابين والجرحى المطلوب منا أن نقدمهم للخلاص من حكم العسكر؟! ومن المفارقات المضحكة المبكية، أن يخرج علينا أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليحدثنا عن نجاح حكومة عصام شرف فى أداء مهمتها! ثم يحدثنا عن صلاحيات الجنزورى وحكومته! كيف يتخيل هؤلاء الجنرالات أن شعبنا يمكن بهذه الطريقة أن يقبلهم؟! لعل أرواح شهدائنا الأبرار تتابع الآن ما يحدث فى مصر من عبث ولهو وجنون، بينما تردد الآية الكريمة: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون» صدق الله العظيم.