«الجبهة»: إطلاق مبادرات رياضية مجتمعية وتنظيم بطولات ودورات بالمحافظات    الدبيكي يقود النقابات الصحية في مؤتمر جنيف لحماية العمال من المخاطر البيولوجية    فيفي عبده تنعي الفنانة سميحة أيوب    انفوجراف| خطوات الحصول على النقود الجديدة للعيدية من البنوك قبل عيد الأضحى    محافظ أسوان يكلف بتخصيص المعارض الدائمة والمنافذ والشوادر لبيع اللحوم    الترحيل والمنع 10 سنوات من دخول السعودية للمقيمين المخالفين لأنظمة الحج    وزير المالية: 50% من مستحقات الشركات في برنامج دعم الصادرات سيتم تسويتها من الضرائب أو الكهرباء    حملات توعية لترشيد استخدام المياه في المجازر بالقليوبية    أول أيام عيد الأضحى المبارك.. بدء تطبيق المحاور المرورية الجديدة بمدينة الفيوم تجريبيًا    الكرملين: أي تسوية يتم التوصل إليها في المحادثات مع أوكرانيا ستبقى سرية    توجيهات مهمة من رئيس الوزراء بشأن التحركات الدبلوماسية    «أحكام عرفية وعزل الرئيس».. كوريا الجنوبية تصوت بالانتخابات الرئاسية    رئيس الوزراء البولندي: البرلمان سيصوت على الثقة في حكومتي في 11 يونيو    اليونيسف: الهجمات على طالبي المساعدات في غزة «مدانة ومقصودة»    خالد مرتجي رئيسا لبعثة الأهلي في كأس العالم للأندية بدلا من الخطيب    ميدو: «قلت على جثتي أن يلعب زيزو للزمالك بعد ذهابه للسفارة الأمريكية»    وزارة الشباب والرياضة ترجئ البت في استقالة مصيلحي من الاتحاد    تشيلسي يفشل في الإبقاء على سانشو    ضبط الأب المعتدي علي ابنته بالضرب في الشارع بالجيزة    شراكة أوروبية جديدة لتعزيز قوة الجيش الإيطالي بمركبات BvS10 البرمائية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو تعدي شخص على فتاة في الجيزة    مصر تشدد على أهمية الالتزام بالقوانين المنظمة للسفر والهجرة والإقامة بكافة دول العالم    مهرجان القاهرة التجريبي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    بعد نفي شائعة زواجها.. مها الصغير تستعيد ذكرياتها مع والدها: «كل يوم ببقى محتاجة ليك أكتر»    التعليم تطلق الحفل الختامي للدورة التاسعة لمسابقة "تحدي القراءة العربى"    رئيس الهيئة الدولية للمسرح ينعى وفاة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    حكم صيام يوم التروية.. أدعية مستحبة في اليوم الثامن من ذي الحجة    «ذبح وتهنئة وفُسح».. طقوس المصريين للاحتفال ب«عيد الأضحى»    السبكي: الشراكة المصرية الألمانية في الصحة نموذج للتحول الرقمي والتميّز الطبي    الرعاية الصحية تعلن نجاح عملية جراحية مزدوجة لمريض بمستشفى طيبة    رسالة دكتوراه تناقش تقييم جدوى تقنية الحقن الأسمنتي كعلاج فعال لكسور هشاشة العظام    محافظ القليوبية يوجه باستمرار صرف الألبان خلال عطلة عيد الأضحى    "الزراعة": التفتيش على 289 منشأة بيطرية خلال مايو واتخاذ الإجراءات ضد 64    "يونيسف" تطالب بفتح تحقيق دولى بعد عدوان إسرائيل على طالبى المساعدات فى غزة    المشاط تبحث مع الاتحاد الأوروبي إتمام المرحلة الثانية من آلية مساندة الاقتصاد الكلى    الهلال السعودي يسعى للتعاقد مع صفقة برازيلية    وزارة السياحة والآثار تستضيف وفدًا صحفيًا من المكسيك في زيارة تعريفية للمقصد السياحي المصري    الصحة الفلسطينية: مراكز المساعدات في غزة تحولت إلى مصائد موت تهدد حياة المدنيين    المركز القومي للمسرح ناعيا سميحة أيوب: أفنت عمرها في تشكيل ملامح تاريخ الفن    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    سويلم يتابع ترتيبات "أسبوع القاهرة الثامن للمياه"    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    مدبولي يبعث برقية تهنئة لشيخ الأزهر بمناسبة عيد الأضحى 2025    «أمن المنافذ»: ضبط 2628 مخالفة مرورية وتنفيذ 162 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    جامعة القاهرة تدعم الرياضة المصرية بتعاون وثيق مع الاتحاد المصري لألعاب القوى    حقيقة الممر الشرفي لبيراميدز.. هاني سعيد يتحدث عن نهائي الكأس ضد الزمالك    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى «دولة مراقب» في منظمة العمل الدولية    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    هيئة الأرصاد: أجواء ربيعية ممتعة اليوم والعظمى بالقاهرة الكبرى 31 درجة    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    قرار عاجل من التعليم بشأن المدارس الرسمية الدولية lPS (مستند)    إيذاء للناس ومخالفة لأخلاق الإسلام.. دار الإفتاء توضح حكم ذبح الأضاحي في الشوارع    «هاجي في يوم وهقتله».. يورتشيتش يمازح مصطفى فتحي بسبب عصبية الشيبي    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرباج شريعى
نشر في التحرير يوم 29 - 11 - 2011

البلد الذى يعيش فيه فنان مثل عمار الشريعى دون أن يتلقى أرفع الأوسمة الرسمية، ودون أن يُنصب له تمثال يليق بعطائه فى أكبر ميادين القاهرة بعد تسميته باسمه، ودون أن تقام له كل عام فى عيد ميلاده احتفاليات رسمية وشعبية توسعه حفاوة وتنهال عليه حبا، هو بلد.. للأسف بلدنا.
استعينوا على قضاء أيامكم بعمار الشريعى. نصيحة من أخ لكم انتهت علاقته بالصحيان غير «طايق لنفسه»، عندما هداه الله ذات صباح بعيد لكى يدير فى الكاسيت مع كوباية شاى منو فيه شريط أغانى مسلسل «أبو العلا البشرى»، الذى ما إن انتهى وذهب أخوكم لكى يعيد تشغيله ثانية، وهو خجلان من أن يقفز فى أنحاء البيت فرحان ومعترفا أنه لم يعد حزينا على الإطلاق، ففوجئ بصلاح جاهين يخرج له من الكاسيت ليضربه قلما أبويا حانيا هاتفا فيه «كرباج سعادة وقلبه منى انجلد.. رَمَح كإنه حصان لف البلد.. ورجع لى آخر الليل وقالّى ليه.. خجلان تقول إنك سعيد يا ولد». ومن يومها وأخوكم يجلد قلبه كل صباح بكرباج سعادة شريعى، أحيانا يكون «حاف» بموسيقى الهجان والنديم والزينى بركات وعصفور النار وهيمة، وغالبا يكون «متغمس» بشجن أبنودى «يا حبيبتى الشمس مش بعيدة إحنا إيدينا قصيرين»، أو مغموسا فى حكمة حجابية «تحت نفس الشمس فوق نفس التراب، كلنا بنجرى ورا نفس السراب»، أو منغمسا فى حيرة أحمد فؤاد نجمية «يا سكة الأحلام يا مغربة روحى أشكيكى للأيام ولّا اشتكى روحى؟».
وقف عمار الشريعى إلى جنبى كثيرا، فى شقة أم ميمى الكائنة بنواحى حسن محمد بالهرم، كان يخرج من الراديو مرة كل أسبوع لأغتسل فى «بحر النغم»، فأنسى وعثاء الفقر وكآبة المنظر، وفى خُنّ شارع المحطة كان يخرج من شرايط (الأصدقاء) ليذكرنى فى لحظات بعينها أننى خرع وقابل للهزيمة بسهولة ومبصر لا بصيرة له، فأفوق لنفسى وأنسى فكرة الخروج من الحدود إلى الأبد، وأطارد مجددا أحلامى بحبيبة «من ضفايرها يطل القمر»، وفى شارع الفاتح ظل عمار على مدى أربعين يوما يجيبنى على ملا وشى فى السابعة والنصف مساء، ليتفرج رواد قهوة (الأهلى والزمالك) علىّ وأنا أبكى كطفلة دانماركية مدللة فور أن تهل دخلة تتر مسلسل «أرابيسك» العظيم، الذى كنت أشاهده على القهوة، لأنى أسكن فوق السطوح فى غرفة ليس لها سقف، فكيف يكون بها تليفزيون؟ وفى حارة سمكة خرج لى عمار من أول تليفزيون اشتريته بالقسط ليتهمنى بأننى باتلكك بتتر مسلسل الشهد والدموع، لكى أبرر قرار الانسحاب من معركة الحياة بدعوى أننا «تحت نفس الشمس فوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب»، وفى شارع قصر العينى كان يزغر لى كأنه يرانى، كلما شاورت عقلى بالغرق فى باطل الصحافة تاركا سيد حجاب لكى يذكرنى «آدى الحقوق وآدى اللى طالبينها.. والحق تاه فى الباطل البطال.. وقلوبنا تاهت عن محبينها.. وآدى نجومنا بعيدة ما تنطال».
وعندما أحببت تسامح عمار مع نشازى وأنا أعيش دور العاشق الدمشقى وأغنى لحبيبتى «وبتسأل يا حبيبى باحبك قد إيه»، وعندما تفرقنا أنا وحبيبتى أيدى سبأ ضحك عمار لأننى أوهم الكل بأننى مصدق أنه «إوعى تصدق أنثى.. المرأة خلاص إلغاء إعدام»، أتذكر يوم أن قلت لأحمد زكى أننى أعتبر هذه الأغنية لسان حالى فى الحياة، فقال لى بسخريته المملوءة دائما بالشجن «يا رب يتقطع لسان حالك يا شيخ.. ده إحنا عملنا الأغنية دى هزار.. قلت لصلاح جاهين إشمعنى أنا اللى ماليش غنوة لوحدى فى المسلسل.. فعملها لى.. هو فى حد يقدر يعيش من غير أنثى فى الدنيا دى»، تذكرت ذلك عندما عادت حبيبتى ثانية إلىّ، وكيف شعر عمار يومها أن أى كلام سيكون بايخا، فاكتفى بأن عزف لى حتة من تتر رأفت الهجان، ربما لأن قصة حبنا كانت ملحمية مع أنها لم تكن مأخوذة من ملفات المخابرات العامة.
كل ذلك حدث لى قبل أن أعرف عمار الشريعى عن قرب، والغريب أننى منذ أن عرفته لم أجرؤ ولو لمرة على أن أعدد له أياديه البيضاء علىّ، لأننى أصاب بصمت أهطل فى حضرة الأساطير، يدفعنى زيادة فى الهطل لتجنب زيارتهم بانتظام. لكننى أمس عندما شاهدت حلقة له مع الراحل حسين كمال فى (سهرة شريعى)، التى أحرص على مشاهدتها بانتظام لشحن بطاريات الروح، انتهت الحلقة بى وأنا أبكى بكاء هستيريا، جعل ابنتى عشق تضحك علىّ ضاربة بكل حقوق الأبوة عرض الحائط، قررت أن أعمل بنصيحة جاهين، فأتصل بعمار فى نص الليل لأعلن له أننى لست خجلان من تعداد جمايله، لكن صوت ابنه مراد بادرنى داعيا لترك رسالتى بعد سماع الصفارة، ارتبكت محاولا أن أوجز ما أريد قوله، لكن الصفارة عاجلتنى معلنة امتلاء البريد الصوتى. عندها قررت أن أدوس على زرار يحذف ما تركته له على البريد الصوتى وأكتب هذه الكتابة، لا لكى يعرف عمار أياديه البيضاء علىّ، فلا أظنه مهتما بذلك، ولكن ليعرف مراد (إذا سأل يوما لماذا لا يوجد لأبيه تمثال فى شوارع القاهرة؟) أننا قررنا أن نرد على قلة أدب الرسميين وعمى بصائرهم، فأقام كل منا تمثالا يذكره بوقفات عمار الشريعى جنبه، وأنا وحدى يا مراد الذى نصبت لأبيك تمثالين، أولهما فى فايل «ماى ميوزيك» على الكمبيوتر، والثانى نصبته هناك فوق الكاسيت قريبا من شريط أبو العلا البشرى بجوار كرباج السعادة.
(مقتطف من كتاب «أولئك آبائى» تحت الطبع أعيد نشره تحية لأستاذى وملهمى وصديقى عمار الشريعى أتم الله شفاءه بألف خير وأعاده إلينا بمليون سلامة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.