ترامب: الفلبين ستدفع رسوما جمركية بنسبة 19% بموجب اتفاق مع الرئيس ماركوس    ويتكوف يلتقي مسئولين قطريين وإسرائيليين في روما بشأن اتفاق الأسرى    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    بعد الاتفاق التجاري الضخم مع ترامب، رئيس الوزراء الياباني يعتزم الاستقالة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات في محافظات الصعيد    اليوم، الأهلي السعودي في مواجهة نارية أمام كومو الإيطالي، الموعد والقنوات الناقلة    50 ألف جنيه مكافأة من حزب الجبهة الوطنية لأوائل الثانوية العامة    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    استعلم الآن.. رابط نتيجة الثانوية العامة 2025    قفزة ل الدولار الأمريكي اليوم الأربعاء 23-7-2025 عالميًا.. وانخفاض بقية العملات الأجنبية    تحرك مفاجئ في أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري "الضخم" بين واشنطن وطوكيو    10 عمال زراعة.. أسماء المصابين في حادث انقلاب سيارة ب«صحراوى البحيرة»    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    «زي النهارده» في ‌‌23‌‌ يوليو ‌‌1952‌‌.. قيام ثورة ‌‌23‌‌ يوليو ‌‌1952    عودة القائد.. حارس الصفاقسي يرحب ب معلول (صورة)    الصفقات الجديدة والراحلين يشعلون غضب يانيك فيريرا في الزمالك.. تقرير يكشف    فيتو داخل منزل نوران نبيل السادسة على الجمهورية: أفتخر بلقب أخت الدكاترة ومثلي الأعلى مجدي يعقوب (فيديو)    سعر اليورو اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 مقابل الجنيه.. بكام في الأهلي ومصر؟ (آخر تحديث)    مؤشرات تنسيق كليات الحاسبات والمعلومات والذكاء الاصطناعي 2025.. الحد الأدنى للقبول علمي علوم ورياضة    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025 «الخطوات والرسوم والمواعيد الرسمية»    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    إحالة وزيرة فرنسية وكارلوس غصن إلى المحاكمة.. ما السبب؟    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    لنقلهم إلى درعا.. دفعة جديدة من الحافلات تصل السويداء لإخراج المحتجزين    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    رئيس اتحاد الخماسي يُكرم طالب بني سويف الأول على الجمهورية ب100 ألف جنيه    لمدة 7 ساعات.. قطع التيار الكهربائي عن 12 منطقة في البحيرة    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات على دير البلح وخان يونس    رئيس "بنك الطعام": نقدم نموذج شمولي فريد بالتعاون مع 5 آلاف جمعية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    الأولى على الثانوية العامة شعبة أدبي ل«المصري اليوم»: «بكيت فرحًا وسألتحق بالألسن»    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    الرابعة على الثانوية: تنظيم الوقت سر النجاح.. وحلمي أكون طبيبة    فرصة لإدراك تأثير جروح الماضي.. حظ برج القوس اليوم 23 يوليو    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 .. نصائح لاختيار الجامعة والكلية المناسبة لك    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    محافظ الشرقية يهنئ ياسمين حسام لتفوقها: نموذج مشرف لأبناء المحافظة    من 4% إلى 70%.. الطالبة ميار حماده تحقق قفزة دراسية لافتة في قنا    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    إلى الحبيب الغالي.. رسالة من ممدوح عباس إلى حسن شحاتة    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    ما حكم الاعتداء على المال العام؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرباج شريعى
نشر في التحرير يوم 29 - 11 - 2011

البلد الذى يعيش فيه فنان مثل عمار الشريعى دون أن يتلقى أرفع الأوسمة الرسمية، ودون أن يُنصب له تمثال يليق بعطائه فى أكبر ميادين القاهرة بعد تسميته باسمه، ودون أن تقام له كل عام فى عيد ميلاده احتفاليات رسمية وشعبية توسعه حفاوة وتنهال عليه حبا، هو بلد.. للأسف بلدنا.
استعينوا على قضاء أيامكم بعمار الشريعى. نصيحة من أخ لكم انتهت علاقته بالصحيان غير «طايق لنفسه»، عندما هداه الله ذات صباح بعيد لكى يدير فى الكاسيت مع كوباية شاى منو فيه شريط أغانى مسلسل «أبو العلا البشرى»، الذى ما إن انتهى وذهب أخوكم لكى يعيد تشغيله ثانية، وهو خجلان من أن يقفز فى أنحاء البيت فرحان ومعترفا أنه لم يعد حزينا على الإطلاق، ففوجئ بصلاح جاهين يخرج له من الكاسيت ليضربه قلما أبويا حانيا هاتفا فيه «كرباج سعادة وقلبه منى انجلد.. رَمَح كإنه حصان لف البلد.. ورجع لى آخر الليل وقالّى ليه.. خجلان تقول إنك سعيد يا ولد». ومن يومها وأخوكم يجلد قلبه كل صباح بكرباج سعادة شريعى، أحيانا يكون «حاف» بموسيقى الهجان والنديم والزينى بركات وعصفور النار وهيمة، وغالبا يكون «متغمس» بشجن أبنودى «يا حبيبتى الشمس مش بعيدة إحنا إيدينا قصيرين»، أو مغموسا فى حكمة حجابية «تحت نفس الشمس فوق نفس التراب، كلنا بنجرى ورا نفس السراب»، أو منغمسا فى حيرة أحمد فؤاد نجمية «يا سكة الأحلام يا مغربة روحى أشكيكى للأيام ولّا اشتكى روحى؟».
وقف عمار الشريعى إلى جنبى كثيرا، فى شقة أم ميمى الكائنة بنواحى حسن محمد بالهرم، كان يخرج من الراديو مرة كل أسبوع لأغتسل فى «بحر النغم»، فأنسى وعثاء الفقر وكآبة المنظر، وفى خُنّ شارع المحطة كان يخرج من شرايط (الأصدقاء) ليذكرنى فى لحظات بعينها أننى خرع وقابل للهزيمة بسهولة ومبصر لا بصيرة له، فأفوق لنفسى وأنسى فكرة الخروج من الحدود إلى الأبد، وأطارد مجددا أحلامى بحبيبة «من ضفايرها يطل القمر»، وفى شارع الفاتح ظل عمار على مدى أربعين يوما يجيبنى على ملا وشى فى السابعة والنصف مساء، ليتفرج رواد قهوة (الأهلى والزمالك) علىّ وأنا أبكى كطفلة دانماركية مدللة فور أن تهل دخلة تتر مسلسل «أرابيسك» العظيم، الذى كنت أشاهده على القهوة، لأنى أسكن فوق السطوح فى غرفة ليس لها سقف، فكيف يكون بها تليفزيون؟ وفى حارة سمكة خرج لى عمار من أول تليفزيون اشتريته بالقسط ليتهمنى بأننى باتلكك بتتر مسلسل الشهد والدموع، لكى أبرر قرار الانسحاب من معركة الحياة بدعوى أننا «تحت نفس الشمس فوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب»، وفى شارع قصر العينى كان يزغر لى كأنه يرانى، كلما شاورت عقلى بالغرق فى باطل الصحافة تاركا سيد حجاب لكى يذكرنى «آدى الحقوق وآدى اللى طالبينها.. والحق تاه فى الباطل البطال.. وقلوبنا تاهت عن محبينها.. وآدى نجومنا بعيدة ما تنطال».
وعندما أحببت تسامح عمار مع نشازى وأنا أعيش دور العاشق الدمشقى وأغنى لحبيبتى «وبتسأل يا حبيبى باحبك قد إيه»، وعندما تفرقنا أنا وحبيبتى أيدى سبأ ضحك عمار لأننى أوهم الكل بأننى مصدق أنه «إوعى تصدق أنثى.. المرأة خلاص إلغاء إعدام»، أتذكر يوم أن قلت لأحمد زكى أننى أعتبر هذه الأغنية لسان حالى فى الحياة، فقال لى بسخريته المملوءة دائما بالشجن «يا رب يتقطع لسان حالك يا شيخ.. ده إحنا عملنا الأغنية دى هزار.. قلت لصلاح جاهين إشمعنى أنا اللى ماليش غنوة لوحدى فى المسلسل.. فعملها لى.. هو فى حد يقدر يعيش من غير أنثى فى الدنيا دى»، تذكرت ذلك عندما عادت حبيبتى ثانية إلىّ، وكيف شعر عمار يومها أن أى كلام سيكون بايخا، فاكتفى بأن عزف لى حتة من تتر رأفت الهجان، ربما لأن قصة حبنا كانت ملحمية مع أنها لم تكن مأخوذة من ملفات المخابرات العامة.
كل ذلك حدث لى قبل أن أعرف عمار الشريعى عن قرب، والغريب أننى منذ أن عرفته لم أجرؤ ولو لمرة على أن أعدد له أياديه البيضاء علىّ، لأننى أصاب بصمت أهطل فى حضرة الأساطير، يدفعنى زيادة فى الهطل لتجنب زيارتهم بانتظام. لكننى أمس عندما شاهدت حلقة له مع الراحل حسين كمال فى (سهرة شريعى)، التى أحرص على مشاهدتها بانتظام لشحن بطاريات الروح، انتهت الحلقة بى وأنا أبكى بكاء هستيريا، جعل ابنتى عشق تضحك علىّ ضاربة بكل حقوق الأبوة عرض الحائط، قررت أن أعمل بنصيحة جاهين، فأتصل بعمار فى نص الليل لأعلن له أننى لست خجلان من تعداد جمايله، لكن صوت ابنه مراد بادرنى داعيا لترك رسالتى بعد سماع الصفارة، ارتبكت محاولا أن أوجز ما أريد قوله، لكن الصفارة عاجلتنى معلنة امتلاء البريد الصوتى. عندها قررت أن أدوس على زرار يحذف ما تركته له على البريد الصوتى وأكتب هذه الكتابة، لا لكى يعرف عمار أياديه البيضاء علىّ، فلا أظنه مهتما بذلك، ولكن ليعرف مراد (إذا سأل يوما لماذا لا يوجد لأبيه تمثال فى شوارع القاهرة؟) أننا قررنا أن نرد على قلة أدب الرسميين وعمى بصائرهم، فأقام كل منا تمثالا يذكره بوقفات عمار الشريعى جنبه، وأنا وحدى يا مراد الذى نصبت لأبيك تمثالين، أولهما فى فايل «ماى ميوزيك» على الكمبيوتر، والثانى نصبته هناك فوق الكاسيت قريبا من شريط أبو العلا البشرى بجوار كرباج السعادة.
(مقتطف من كتاب «أولئك آبائى» تحت الطبع أعيد نشره تحية لأستاذى وملهمى وصديقى عمار الشريعى أتم الله شفاءه بألف خير وأعاده إلينا بمليون سلامة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.