قبل أن نشرح للناس كم هى ثمينة قطرة الدم، لا بد أن نشرح للأطباء هذا، على الرغم من أنهم يعرفونه جيدا، ويعرفون أيضا أنه ما من نقل دم آمن بنسبة مئة فى المئة، وأن هناك دوما مخاطر تكمن فى عملية نقل الدم، سواء من الإهمال أو التعجل فى فحص دم المتبرع، أو فى عوامل لم يتم كشفها بعد، قد تسبب أضرارا مستقبلية، أو حتى فى تفاعل جسم المريض، مع دم من شخص آخر. ولو أننا سنحث الناس على مد بنوك الدم بدمائهم، فالأجدى أن نحث الأطباء على أن يكون ترشيد الاستهلاك هدفا لهم، فالمريض الذى يحتاج إلى لتر من الدم، يمكنه تعويض هذا اللتر بغذاء كاف، ورعاية صحية مناسبة، ليتوفر هذا اللتر لمريض آخر، لا يمكن أن يحيا من دونه.. وكل قطرة تتوفر من شخص يمكنه تعويضها ذاتيا، قد تعنى حياة طفل برىء، شاء قدره أن يصاب بمرض من أمراض الدم، فى نفس الوقت الذى يلهو فيه رفاقه ويلعبون، ويصابون، وتنزف دماؤهم لتختلط بتراب الأرض... الله -سبحانه وتعالى- خلق الناس أمة واحدة، حتى يتآزروا، ويشد بعضهم بعضا، ويعطى كل من عنده فضل زاد من لا زاد له، فهبوا لإعطاء نعمة الصحة لمن حرم منها، وامنحوه قطرة واحدة... قطرة دم... والسؤال الآن هو: لماذا لا يقبل الناس فى مصر على التبرع بالدم فى الأيام العادية، أو بشكل دورى أو حتى باعتبار أن تبرعهم هذا صدقة عن صحتهم وأنفسهم، على الرغم من أنهم هم أنفسهم (لا غيرهم) يبادرون طواعية بالتبرع بدمائهم (نفسها)، إذا ما حلت كارثة، أو اندلعت حرب، أو وقع حدث جلل؟!... لا المصريون أنفسهم، الذين لا يبالون بفكرة التبرع الدورى بالدم، ولو مرة كل ستة أشهر، هم الذين وقفوا فى طوابير، للتبرع بدمائهم لمصابى حوادث القطارات، وضحايا الاعتداء الإسرائيلى على غزة وغيرهم... فأين تكمن المشكلة إذن؟!... الواقع أن المشكلة الفعلية تكمن فى انعدام الثقة... انعدام ثقة المواطن فى مصداقية حملات التبرع بالدم... وعدم ثقة المواطن فى نظافة وصحة الأجهزة، التى تستخدم فى التبرع بالدم... وعدم ثقة المواطن (وهذا هو الأهم)، فى كل ما يحمل سمة حكومية... ولكن لو وضعنا المرضى نصب أعيننا، فستختلف الصورة كثيرا... ولنا ختام.