سيدة من فوق سلم خشبى، تحاول تسلق سور مدرسة ابتدائية بداخلها لجنة انتخابات، لتدلى بصوتها لصالح جماعة الإخوان المسلمين.. مشهد تناقلته عدسات المصورين وعديد من وكالات الأنباء المصرية والعربية والعالمية، خلال ماراثون انتخابات مجلس الشعب، فى عام 2005، حيث حصدت جماعة «حسن البنا» 88 مقعدا. المشهد تكرر، وإن اختلف فى بعض تفاصيله فى قطاع غزة، لدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس، كما تكرر فى بلدان عربية وإسلامية أخرى، مثل تركيا والكويت والبحرين، مما يؤشر إلى أن الشعوب العربية تدعم بلا شك الإسلاميين، فى مواجهة الاستبداد والديكتاتورية، ولكن هل تدعمهم فى حال خروجهم فى ثورات؟ بالقطع لا، فهم يخشون وصولهم إلى الحكم. فرغم النزعة الدينية الفطرية، التى تغلف مشاعر الشعوب العربية على وجه الخصوص،فإن الخوف من وصول الإسلاميين إلى سُدّة السلطة، هاجس يثير الداخل قبل الخارج، حتى لا يتكرر مشهد طالبان فى أفغانستان، أو يعاد إنتاج ديكتاتورية جديدة، على غرار نظام الملالى فى إيران، أو الوصول إلى ملكية جديدة كما هى الحال فى السعودية، وجميعها مخاوف لم تعد حكرا على الليبراليين واليساريين والعلمانيين، ولكنها انتقلت إلى الشارع العادى أيضا. التيارات الإسلامية التى لم تعتنق القاعدة الفقهية، الخاصة بعدم جواز الخروج على الحاكم، ترى أنها ستدفع ثمنا باهظا لو تقدمت صفوف الثورات، بحسب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، المهندس خيرت الشاطر، الذى كشف، فى وقت سابق، عن أن جماعة الإخوان قامت ببالونات اختبار للثورة، فى فترة الحراك السياسى بين عامى 2004 و2005، إلا أنها وجدت الوقت غير مناسب. وفق ذلك المنطق، كان تخلّف التيارات الإسلامية عن الصفوف الأولى للثورات، ربما خشية دفع الفاتورة، وربما لأن حالات القمع التى واجهتها فى السابق، جعلتها متبلدة الأفكار، فلم تستشرف حركات التغيير. من جانب آخر، هناك من يرى أن من لم يحضر فى الثورة من الإسلاميين، ليس من حقه الحضور فى الساحة السياسية، وإن تم دعمه فى الانتخابات البرلمانية، لا يجب أن يتواصل الدعم من أجل الوصول إلى الحكم. إلا أن الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور خليل العنانى، يرى أن ثورات الربيع العربى كانت مدنية، لكن الدين كان حاضرا فى قلبها شكلا ومضمونا، موضحا أن تلك الثورات نجحت وزادت ثقلا بعد تأكد الإسلاميين أن ما يحدث ليس مجرد تظاهرة، أو هبّات محدودة وإنما ثورات حقيقية. وبعكس ما يعتقد البعض، كان غياب الإسلاميين عن صدارة المشهد الثورى أمرا مقصودا، وربما إيجابيا فى إنجاح تلك الثورات، وفق العنانى، خصوصا فى ما يتعلق بحالة التربص الغربى بالإسلاميين. وقد أشاد شباب الثورة فى مصر وتونس وليبيا، بدور الإسلاميين فى حماية الثورات العربية، فى مراحلها الحرجة، حين ازداد جنون الأنظمة المتساقطة. مما سينعكس على شكل تعامل الإسلاميين فى الأيام القادمة ودورهم فى الملعب السياسى، خصوصا أن مشاركة الإسلاميين فى الثورات العربية، لم تقتصر على فصيل بعينه، ففى الثورة المصرية كان هناك الإخوان المسلمون وبقايا الجهاديين السابقين، وبعض رموز السلفية الجهادية، وبعض رموز السلفية الإعلامية. وفى تونس شارك أبناء حركة النهضة فى الثورة التونسية منذ بداياتها، وإن بشكل فردى. وفى ليبيا كانت المفاجأة أن الجهادى السابق وأحد مؤسسى «الجماعة الليبية المقاتلة»، عبد الحكيم بلحاج، كان المسؤول الأول والقائد العسكرى لعملية تحرير طرابلس من القذافى، والتى عُرفت إعلاميا بعملية «فجر عروس البحر». وفى اليمن وسوريا هناك دور ملحوظ تلعبه جماعة الإخوان المسلمين فى تحريك الشارع الغاضب تجاه نظامى على عبد الله صالح وبشار الأسد، على التوالى. أما الحضور الرمزى للإسلاميين فى الثورات العربية، فلا يمكن أن تخطئه العين، بحسب العنانى، فقد جرى استخدام المساجد محطات تعبئة وحشد للمتظاهرين، فيما يشبه شبكات الحركات الاجتماعية المفتوحة. كما ارتبطت تلك الثورات بأسماء مساجد عدة سوف يُخلّد ذكرها مثل مسجد عمر مكرم، فى ميدان التحرير، ومسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية، ومسجد الشهداء فى مدينة السويس، التى شهدت سقوط أول ضحايا الثورة المصرية، إضافة إلى مسجد العمرى فى درعا، الذى دشن الثورة السورية. ناهيك بساحات الصلاة فى صنعاء وتعز فى اليمن، وبنغازى فى ليبيا، وجميعها تحول إلى برلمانات شعبية تطالب بإسقاط حكامها. كان من أبرز مشاهد الحضور الرمزى للدين أيضا خلال تلك الثورات، تلك الصلوات والترانيم التى أداها متظاهرو ميدان التحرير، من المسلمين والمسيحيين قبل سقوط مبارك بأيام قليلة، وعليه لا يبدو الأمر مستغربا أن تكون القوى الإسلامية، فى رأى العنانى، أكثر التيارات سعيا إلى الحضور والتأثير فى مرحلة ما بعد الثورات العربية. ولعل ذلك ما يفسر حالة السيولة التى أصابت التيار الإسلامى، فى بلد كمصر، الذى شهد منذ سقوط مبارك تأسيس أكثر من 15 حزبا إسلاميا بمختلف المرجعيات، بدءا من السلفية وانتهاء بالطرق الصوفية.