افتتاح بطولة إفريقيا للكرة الطائرة «سيدات» بالأهلي    تامر حسني يبدأ تصوير فيلم «ري ستارت» في مايو    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    بالصور.. إحلال وتجديد 3 كبارى بالبحيرة بتكلفة 11 مليون جنيه    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة    خبراء الضرائب: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    وزيرة البيئة تعقد لقاءا ثنائيا مع وزيرة الدولة الألمانية للمناخ    النواب يرسل تهنئة رئيس الجمهورية بذكرى تحرير سيناء    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    وزير الخارجية الروسي يبحث هاتفيا مع نظيره البحريني الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتصعيد بالبحر الأحمر    ذاكرة الزمان المصرى 25أبريل….. الذكرى 42 لتحرير سيناء.    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    تحطم سيارتين انهارت عليهما شرفة عقار في الإبراهيمية بالإسكندرية    والدة الشاب المعاق ذهنيا تتظلم بعد إخلاء سبيل المتهم    الآلاف من أطباء الأسنان يُدلون بأصواتهم لاختيار النقيب العام وأعضاء المجلس    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    الناتو يخلق تهديدات إضافية.. الدفاع الروسية تحذر من "عواقب كارثية" لمحطة زابوريجيا النووية    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    مدينة أوروبية تستعد لحظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل (تعرف على السبب)    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    إيرادات الخميس.. شباك التذاكر يحقق 3 ملايين و349 ألف جنيه    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    مياه الشرقية تنفذ أنشطة ثقافية وتوعوية لطلبة مدارس أبو كبير    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بالعاصمة الإدارية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    مساعدو ترامب يناقشون معاقبة الدول التي تتخلى عن الدولار    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهاني الجبالي تكتب في التحرير: قصة المادة الثانية من الدستور؟


إعداد: المستشارة تهانى الجبالى
مقدمة
كثر الحديث والاختلاف حول هذا النص الذى ورد فى مقدمة نصوص الدستور المصرى القائم منذ عام 1971 بتعديلاته المتكررة خصوصا الصادر عام 1980 باعتباره نصا حاكما ورد فى الباب الأول الخاص بمقومات الدولة. ومما لا شك فيه أن هذا النص المختلف عليه يستحق اهتمام المواطنين المصريين لأن الإطار العملى لتطبيقه لا بد أن يحدث تماسا مع مكونات الشعب المصرى بجناحيه من مسلمين ومسيحيين وأديان أخرى إن وجدت، ومن ثم فهو يلتصق بمفهوم تطبيق المواطنة كأساس للدولة المصرية كما ورد -نصا- بالمادة الأولى من الدستور التى توصّف نظامنا الجمهورى بأننا فى دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس «المواطنة».
لقد اتسع الجدل الوطنى حول المادة الثانية من الدستور فى المرحلة الآنية التى تحيط الوطن فيها تحديات كبرى فى مقدمتها تقوية الذات الوطنية ضد مخاطر الطائفية الدينية التى تستهدف النسيج الذى صاغته عبقرية الشعب المصرى لتكوين سبيكة استعصت على الاختراق والتفكيك الطائفى فى مواجهة موجات استعمارية متتالية، ومشاريع طائفية وعرقية استهدفت المجتمعات للمحركات العربية استغل فيها الخارج خطايا وأخطاء الداخل من أجل تنفيذ مشاريعه التفكيكية للبنية الأساسية للوطن، وإعادة بنائه على أسس طائفية.
إن استدعاء المادة الثانية من الدستور المصرى التى يأتى نصها على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» فى كل اللحظات الحرجة بالإضافة إلى الاستخدام السياسى لها من قبل قوى الإسلام السياسى، وحالة الاهتمام الجماعى بها فى مواجهة المستجدات الكثيرة على ساحة الوطن والعوامل المؤثرة فيه، هى فرصة ذهبية للوصول إلى توافق وطنى ومحددات مشتركة لتطبيقه على أرض الواقع بحثا عن الإطار الدستورى لهذا التطبيق خصوصا بعد مرور أكثر من 39 عاما على إصدار الدستور الحالى ونحو 27 عاما على تعديل هذا النص، لكى يصبح الحوار قائما على أساس من المعايير المرتبطة بالدولة الحديثة، دولة القانون وليمكن بعد ذلك أن يحدد أى منا موقفه من هذا النص:
هل هو مهدد بالفعل للدولة المدنية الحديثة؟ هل يستدعى الأمر إلغاءه أو تعديله حرصا على هذه الدولة؟ وأين يكمن الخطر فى هذا النص إن وجد؟ وهل يمكن أن يتناقض مع باقى مواد الدستور التى تتحدث عن المواطنة والمساواة أمام القانون بالنسبة للمواطنين فى هذا البلد؟
إن المرجعية فى تحديد هذا الإطار الدستورى يجب أن تحترم بذاتها الدولة المدنية الحديثة، فلا ترجح آراء فردية -مع احترامنا لحقها فى التعبير- ولا تلوذ بالمؤسسة الدينية، إسلامية كانت أو مسيحية لتفسيره، لأن هذا هو التكريس الفعلى للهيمنة الدينية على سلطة الدولة. وإنما يجب أن تحترم الدور الهام والإنشائى للمحكمة الدستورية العليا فى مصر باعتبارها أداة من أدوات الدولة المدنية الحديثة تمارس دورها كهيئة مرجعية فى حراسة الدستور ومنع انتهاك نصوصه أو الجور عليها وترد الاعتداء على مبادئه بممارستها اختصاصها الدستورى فى الرقابة على دستورية القوانين وتفسيرها من منظور دستورى.
إن القضاء الدستورى خلال 40 عاما لم يكتف بترديد نصوص الدستور جامدة دون أن يمنحها من خلال التأويل والتفسير مضمونا يضع تخوما لكل نص مما يجعل منه وثيقة نابضة بالحياة، تتكامل نصوصه تكاملا عضويا، ويتفاعل مع عصره وفق منظومة القيم والطموحات التى ارتضتها الجماعة الوطنية لتحدد على ضوئها مظاهر سلوكها وضوابط حرتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهذا ما منح القضاء الدستورى تقدير الفقه الدستورى وتبوؤ مكانة متميزة ومصداقية خاصة فى ضمير الشعب المصرى.
إن الإطار العملى لتطبيق مواد الدستور يعد «اجتهادا فى إعمال العقل» قوامه الاستناد إلى الحقائق العلمية والعملية معا، مما يجعل من هذا التطبيق أفقا واسعا رحبا يمارسه القضاء الدستورى فى إطار من الحيدة والاستقلال لفرض سيادة القانون وجوهر روحه كأساس وحيد لمشروعية السلطة وضمان لحقوق الأفراد كمواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية دون تمييز.
وسوف ننطلق فى هذه الدراسة المهمة من خلال عدة محاور:
الأول- ملاحظات واجبة قبل الولوج إلى النص.
الثانى- الإطار الدستورى لعبارة «الإسلام دين الدولة».
الثالث- الإطار الدستورى لعبارة «اللغة العربية لغتها الرسمية».
الرابع- الإطار الدستورى لعبارة «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».

أولا:
الاتحاد الأوروبى رغم كل النضج السياسى لم يخلُ من نص يؤكد مرجعية الثقافة المسيحية لأوروبا كمثال جماعى من العالم المتقدم
الاتحاد الأوروبى رغم كل النضج السياسى لم يخلُ من نص يؤكد مرجعية الثقافة المسيحية لأوروبا كمثال جماعى من العالم المتقدم
1- إن عديدا من المناقشات التى تجرى بشأن النص الدستورى المذكور فى الآونة الأخيرة قد عكست حجم ما تعانيه الثقافة السائدة فى مجتمعنا من فوضى الدلالات الاصطلاحية للكلمات بالغة الأهمية التى وردت فى نصوص مواد الدستور -وفى مقدمتها النص الحالى، كما سنبينه فى ما بعد- وتفيض بالتباسات حقيقية فى فهم المضامين حتى لدى المتخصصين (كالفارق بين الشريعة والقانون، والمبادئ والأحكام، ومبادئ القانون ومصادر القانون... إلخ».
ومن ثم فإن بعض القضايا الجدلية تستحق منا تصحيح مسار الحوار بالتفرقة بين المبادئ العامة للقانون، ومنها مبادئ الشريعة الإسلامية، وبين تعدد المصادر بالنسبة للقانون كقواعد موضوعية منقولة من تشريع أجنبى أو شريعة دينية. كما يستدعى التفرقة بين المبادئ فى إطار النظرية العامة للقانون وبين الأحكام المأخوذة منها والتى تعد فى النهاية أحكاما بشرية وضعية تعكس فهما للمشروع الوطنى واختياراته وكونها بهذه الصيغة تخضع للتعديل وإمكانية التغيير، ومن ثم نفض هذا الاشتباك الوهمى لإمكانية التعارض بين المبادئ العامة للشريعة الإسلامية وأحكام القانون الوضعى لتصير العلاقة بينهما تفاعلا حيا لتحقيق مصالح المجتمع.
2- إن مناخ الأزمة، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ينعكس على حجم التشيع والتعصب للرأى أحيانا على حساب الحقيقة مما يفوت على مجتمعنا فرصا حقيقية للوصول إلى القواسم المشتركة ودواعى الاتفاق لا الافتراق حول عديد من الأفكار التى ترد فى الحوار الوطنى، ويضيعها صخب «مناخ الحوار».
3- إننا نبدو أحيانا وكأننا «أمة بلا ذاكرة تاريخية» حين نُسقِط عند مناقشة كل قضية خبرات عبر مراحل النضال السابقة وكأنها وليدة اليوم وكأن شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية لم تختزن دروس الممارسات التاريخية لها فى مراحل النهوض ومراحل التراجع والانكسار، وتتغافل عن التراكم الثقافى المفترض عبر المعارك الفكرية التى تصدى لها أجيال من المفكرين آخرهم جيل عصر التنوير الحديث: محمد عبده، وعلى عبد الرازق، وطه حسين، والعقاد، وسلامة موسى، وعلى أدهم، ولطفى السيد، وعشرات غيرهم ممن تلوهم من قادة الرأى وإعمال العقل وهم بالمئات.
ومن هنا: فإن الضرورة تقتضى لحوار اليوم أن يستهدف أيضا توثيق الخبرات على أرض الواقع المعاصر فى امتداد تاريخى لما سبق بحثه والحوار حوله، حيث الأمم تتقدم من خلال تراكم ثقافى وحضارى تبدأ فيه الأجيال من حيث انتهت الأجيال السابقة عليها، وتأخذ فى اعتبارها ميراثا ضخما من التوثيق للخبرات المستمدة من تجارب الآخرين.
ونتطرق من بعد هذه الملاحظات إلى محددات الإطار الدستورى لمجال تطبيق هذا النص الهام (المادة الثانية من الدستور).

ثانياً:
الإسلام الحضارى لم يعرف «دولة دينية» تخضع لهيمنة وكهنوت كما كانت الحال فى أوروبا خلال العصور الوسطى
1- إذا كان المستقر عقلا أن الدولة ككيان سياسى معنوى ليس شخصا يدين بدين معين، فإن وجود أغلبية من المواطنين فى أى دولة تنتمى إلى دين ما كثيرا ما ينعكس تأثيرا على طابع هذه الدولة. وقد حدث هذا فى دول كثيرة من دول العالم سواء عكست دساتيرها نصا واضحا أو ظل الأمر واقعيا يعكس هذا التأثير، ولعل دستور الاتحاد الأوروبى رغم كل النضج السياسى لم يخل من نص يؤكد مرجعية الثقافة المسيحية لأوروبا كمثال جماعى من العالم المتقدم.
2- إن هناك اختلافا منهجيا هاما، سواء فى الشكل أو المضمون، للدور الذى لعبته المؤسسة الدينية فى الغرب من خلال دور الكنيسة المسيحية فى بنيان الملكية -فى أوروبا على سبيل المثال- حتى تحولها للملكية الدستورية بطابعها الحديث، وكذلك فى حركة الأحزاب المسيحية فى ألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول حتى استقرت الحياة فيها على ضبط مؤسسات الدولة بالفصل العلمانى بين الدين والدولة وإقامتها على أسس مدنية وعصرية وديمقراطية، بينما كان تأثير الإسلام على نظم الحكم قديما وحديثا يختلف فى شكل التأثير ومضمونه فى تطور بنيان الدولة فى المشرق بوجه عام وهو ما يجب أن يوضع فى الاعتبار عند وضع المقدمات التى ستنتهى بالضرورة إلى عدم تطابق النتائج فى كل الأماكن أو الأزمنة والمراحل التاريخية. إلا أن الأمر يستلزم تجلية عدة ضوابط هامة للإطار الدستورى لمفهوم «الإسلام دين الدولة» نوضحها فيما يلى:
أ- إن الإطار الدستورى بهذا النص لا يجيز بأى حال من الأحوال المساس بالحريات الدينية وخصوصا حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية المتعددة فى المجتمع، باعتبارها أحد الحقوق اللصيقة بحق المواطنة «كإطار حاكم» وبما يوجب على الدولة بسلطاتها الثلاث تمكين كل مواطن من التمتع بها على أرض الواقع فى مساواة فعلية بلا تضييق أو مصادرة أو انتهاك وبفهم لقدرة الإسلام الحضارى على الإيمان بكل الرسل والأديان الأخرى حين كانت الكنائس والأديرة والمعابد تُبنى من بيت مال المسلمين.
ب- إن «إسلام الدولة» هو بالضرورة مفهوم «الإسلام الحضارى» الذى يتجاوز الطقوس والشعائر لتقديم نموذج للدولة يقوم على العدل والمساواة والحرية، وفق مفاهيم وأطر تعكس فهما لتطور شكل الدولة الحديثة وأساليب إدارتها ديمقراطيا، ويأخذ من التجارب المحيطة به زادا فكريا وثقافيا، «فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق بها» و«خذ الحكمة ولا يضرك من أى وعاء خرجت» صدق رسول الله، وهو ما يعكس الروح الإسلامى الذى ملأ الدنيا يوما «النموذج القدوة» فى استيعاب المعرفة وأسس التنظيم، ومفاتيح العمران كما أسماها ابن خلدون منذ ستمئة عام وكان منهجه هو إعمال العقل والتفكير واحترام العلم والأخذ بأسبابه وثراء الاختلاف الفقهى والاستفادة من كل زاد معرفى، فكان هذا هو مفتاح الصمود، بينما كان فى غياب هذه المفاتيح ذاتها بداية الانحسار والتراجع فى أزمنة الانحطاط الفكرى والسياسى وتراجع الدولة ثم انهيارها وسهولة غزوها سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
ج- إن الإسلام الحضارى لم يعرف «دولة دينية» تخضع لهيمنة وكهنوت كما كان الحال فى أوربا فى العصور الوسطى فى علاقة الكنيسة بشؤون الحكم والدولة، «وإن عرفت بعض المراحل إساءة استغلال الدين»، ولا يجيز وفق «منهجه الصحيح» احتكار فئة أو فرد أو مؤسسة تفسير النصوص وامتلاك الفهم وممارسة التسلط على الآخرين مقرونة بالطاعة والتصديق والإذعان، ويشهد التاريخ أن من تدثر بعباءة الاستبداد باسم الدين حتى لو كانت «عباءة إمامة أو خلافة»، لم تمنع من حكم قاس تاريخيا عليه، كما لم تمنع الشعوب من الخروج عليه وتغييره، ودروس التاريخ فى هذا ليست ببعيدة، وهى فى حد ذاتها حجة عملية على أثر التوظيف السياسى للدين فى مراحل تاريخية لا يجب أن تسقط من ذاكرة الأمة، وقد كانت فى إطار التحليل العلمى التاريخى والرؤية النقدية لمساره محل تقييم هام على يد الدارسين فى علم التاريخ السياسى والاجتماعى.
د- يرتبط بالسياق السابق أيضا فكرة أساسية تشكل متغيرا هاما فى إطار الدولة السياسية الحديثة يستوجب مراجعة شاملة لما يسمى «فقه الولاية».
فالولاية العامة فى المجتمع فى إطار الدولة المدنية الحديثة للسلطات ذاتها سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، لا للأفراد القائمين عليها، ومن ثم فلا تمنع من مراقبة أدائهم ومساءلتهم ومحاسبتهم وإقصائهم إذا لزم الأمر، «فلا معصومية لأحد»، ويتم ذلك وفقا لمفاهيم الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة بجانب الفصل بينهما ضمانا لأداء المهمة فى استقلال إيجابى وباعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات وأصل الرقابة على فاعليتها، وهذا الإطار لمفهوم كون الإسلام دين الدولة يقطع بعدم جواز تحويل أى سلطة من السلطات الثلاث إلى سلطة دينية، ومن ثم فلا يجيز بالأحرى «منحها لأى مؤسسة أو فرد مهما علا مكانه ومكانته»، ويبقى للشعب مصدر السلطات الحق فى إعادة ترتيب أوضاع كل سلطة منها لضمان تحقيق أقصى مصالح الجماعة الوطنية، وأسس العيش المشترك لطوائفه وفئاته، والحقوق المتساوية والعادلة من خلال مرجعية وحيدة لأداء سلطة الدولة وهى «الدستور والقانون»، فى دولة ديمقراطية محاطة بالتوافق الوطنى الذى ينطلق من مفاهيم أساسية مثل «المواطنة، واحترام الآخر، والتعددية، وسيادة القانون، والمساواة أمام القانون، واحترام الحريات العامة، وتكافؤ الفرص، إلخ».
إن إسلام الدولة لا بد أن يترابط حضاريا وعضويا مع المبادئ العامة للعدالة والمساواة، وجملة الخبرات المتراكمة من الممارسة الديمقراطية فى العالم، توافقا مع معايير حقوق الإنسان تجاه الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما كنا شركاء فى صناعته عبر تأثير الإسلام الحضارى فى المجتمع الإنسانى وفق نظرية الروافد الحضارية المتبادلة التى أثر بعضها فى بعض وتشاركت فى صياغة مقاييس إنسانية عالمية دفعت البشرية ثمنا غاليا للوصول إليها.
وبلا شك فإن الإطار الدستورى لهذه المعايير فى سياق قانونى منضبط، لا فى حديث أدبى مجرد، وما يمنحها الاعتبار القانونى الوطنى هو انضمام الدولة إليها كمعاهدات ومواثيق بعد إصداره بالإجراءات المنصوص عليها دستوريا وتحديد نطاق التحفظات عليها مما يحولها إلى جزء لا يتجزأ من البنيان التشريعى المنظم للسلطات والأفراد الواجب النفاذ فى حياة الموطنين.

ثالثاً:
أقرت المحكمة الدستورية أيضا بوجوب احترام الأحكام الخاصة بغير المسلمين ولوائحهم الخاصة
من المستقر أن اللغة هى «وعاء الثقافة» لأى أى شعب، ولغتنا العربية هى التى تشكل العقل الجمعى والمنظومة الثقافية للمواطن المصرى أيا كانت ديانته أو الفئة الاجتماعية أو المنطقة الجغرافية التى ينتمى إليها فى إطار الجماعة الوطنية، إلا أن هذا النص الدستورى الذى رفع الالتزام بلغتنا القومية إلى مرتبة الحق الدستورى كأحد «مقومات الدولة» يستدعى أن ننظر إليه فى إطار التطبيق وفقا لما يلى:
1- إن النص على سيادة اللغة العربية كلغة رسمية للدولة يجب أن يعكس احتراما لها «كلغة قومية» فى التعليم والتعبير الرسمى عن الدولة فى المحافل الدولية وفى مجمل حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
2- إن سيادة اللغة العربية كلغة رسمية لا يعنى ضعف الاهتمام بتعلم اللغات الأخرى (فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم)، والانفتاح على الثقافات المرتبطة بهذه اللغات، لكن أيضا لا يجيز السماح لأى منها بانتزاع موقع اللغة القومية من وجدان وعقل ولسان مواطنيها أو السماح بتشويهها وإضاعتها، كما يحدث فى بعض الدوائر التعليمية، وهو ما يلزمنا بمراجعة شاملة لهذا التردى الواضح فى تعليم اللغة العربية، ورد الاعتبار لها باعتبارها «حافظة الهوية الثقافية لنا».
3- إن الالتزام الدستورى بلغتنا الرسمية يعنى أيضا تطويرها لاستيعاب المصطلحات والعلوم الحديثة، وضبطها لغويا لمواكبة التطور والحداثة، ومن هنا يبدو الخطر الذى تواجهه اللغة العربية فى عالم مفتوح على لغاته وثقافاته خطرا مضاعفا، فهى على حد قول أحد كبار مثقفينا (مهددة بالأمية التى تفصل بينها وبين العلم الحديث والعصر الحديث بما فيه، وأنها لكى تحقق نهضتها مرهونة كشرط للصعود بأن تكون (لغة حية)، وفى ذات الوقت (لغة مثقفة)، ومن ثم فإن إصلاحها وحمايتها -وهو شرط نهوض- لا يتحقق إلا وسط نهضة شاملة تكون اللغة أداة من أدواته وأحد أهم ثمراته.
4- إن الالتزام الدستورى بلغتنا الرسمية يعنى ضبط المصطلحات والمفاهيم فى إعلامنا ووسائل الثقافة ووسائط المعرفة، لمواجهة اختراق وسيادة مصطلحات معادية تسرى باستهتار على لساننا العربى، وتكتسح مفاهيم وطنية وقومية، وهو ما يجعل هذا الالتزام الدستورى معركة حياة أو موت فى ظل سياسات (العولمة الثقافية) على حساب التنوع الثقافى للشعوب، وهى تتسابق لتسييد خط ثقافى واحد يقترن بالغلبة السياسية والاقتصادية وعسكرة العالم، وما أتعس شعب قبل بامتهان لغته القومية فيسر على أعدائه سحق هويته الثقافية.
5- إن كون اللغة العربية الرسمية للدولة، يعنى مزيدا من الجهد على المستوى الدولى للاحتفاظ لها بموقعها، باعتبارها ثالث لغات العالم انتشارا، ومواجهة تجاهلها وتراجعها فى المنظمات الدولية نتيجة التفريط الرسمى فى استخدامها فى المحافل الدولية، واعتياد واستسهال التحدث بلغات أخرى، خصوصا على لسان المسؤولين الرسميين، الأمر الذى أدى فى بعض المؤتمرات الدولية وأعمال اللجان والوكالات المتخصصة فى الأمم المتحدة إلى إلغاء الترجمة للعربية فى بعض الأحيان!
6- وأخيرا، إن هذه المكانة الدستورية للغة العربية، لا تعنى تجاهل أو إهدار لغات أخرى مرت بوجدان شعبنا على مستوى التاريخ والجغرافيا كالهيروغليفية أو القبطية أو النوبية، وما اقترن بها من مكونات وموروثات ثقافية، وإنما يستلزم تشجيع المثقفين والباحثين على إحياء هذه اللغات ونشر إنتاجها الفكرى والأدبى إن وجد، واحترام مواطنينا الذين يستخدمونها ضمن أطرهم الثقافية الشعبية أو المؤسسية واعتبار هذا النوع الثقافى مصدر فخر وثراء وطنى.
وبعد.. ألا يستحق الأمر وبموجب الالتزام بالنص والحق الدستورى أن نتنادى من أجل إنقاذ «لغتنا الجميلة» وعاء ثقافتنا؟ «أعتقد هذا.. وبشدة».

رابعاً:
سيادة اللغة العربية كلغة رسمية لا تعنى ضعف الاهتمام بتعلم اللغات الأخرى
أ- نظرة تاريخية: إن النص على مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع فى مصر ليس مستحدثا، فقد ورد فى خطاب للقاضى المصرى عند تطبيق قواعد القانون المدنى المصرى الصادر فى أربعينيات القرن الماضى، وظل يمثل أحد المصادر التى يأخذ منها.
ب- إن مبادئ الشريعة الإسلامية (وليست أحكامها التفصيلية) هى كما قال أستاذنا الدكتور عبد الرازق السنهورى أمام مجلس الشيوخ المصرى خلال مراجعة نص المادة الأولى من القانون المدنى هى: (المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية التى لا يوجد خلاف بشأنها بين الفقهاء)، ومن ثم فإن الضرورة تقضى بأن ننظر إلى عبارة (مبادئ الشريعة الإسلامية) فى إطار أن (المبادئ الكلية قوامها «الحكمة»)، وأنه إذا كانت الحكمة بمفهومها اللغوى والفلسفى قد جعلت هناك رابطا قويا بين جميع المبادئ التى أفرزتها الأديان المختلفة، فإن القاسم المشترك بينهما يمكن أن نسميه «عالمية الحكمة» الموهوبة من الخالق إلى العالم الإنسانى الواحد، وباعتبارها أول دليل عقلى على وحدانية الخالق، وبالتالى فهى أقرب لمبادئ القانون الطبيعى، وهو العدل المطلق أو العدل فى ذاته، حسب تعبير أرسطو، ووفقا للإشراقات العقلية المبهرة فى التاريخ الإسلامى لهؤلاء الأفذاذ الذين سعوا إلى ربط العلة بالحكمة والمقاصد التى توخاها المشروع الإلهى واستنبطوا منها الأحكام، معتبرين أن «الإمامة للعقل».
ج- إن النص الصادر فى دستور عام 1971 كان يتضمن عبارة «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع»، ثم تعرض للتعديل عام 1980، حيث أصبح «ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وبصرف النظر عن ملابسات وظروف هذا التعديل الذى حمل فى طياته من التزيد والابتزاز لتعديل نص مدد الرياسة وما أحاطه من ريبة على المستوى الفقهى الدستورى، فإنه وخلال ما يقرب من 27 عاما من التطبيق لهذا النص يبدو من المهم أن نستقرئ أهم الأطر العامة التى استقرت فى أحكام المحكمة الدستورية العليا، وفى مجمل الفكر القانونى للإطار الدستورى لتطبيق النص، نجملها فى ما يلى:
1- أن المشروع الدستورى أورد تعبير (مبادئ الشريعة الإسلامية) لا أحكام الشريعة الإسلامية، ولو قصد النص على أحكام الشريعة لما أعجزه التصريح بذلك فى النص، وهو ما يعنى الإحالة للمبادئ العليا وحدها.
2- أن (مبادئ الشريعة الإسلامية)، وهى تمثل المقاصد العليا، كما أوضحنا سابقا، هى (ثابت)، بينما الأحكام (متغير)، يخضع للاختلاف الفقهى فى استنباطها.. ومناهج التفسير والمذاهب المتعددة وقد استقرت المبادئ على عدم إجماع الفقهاء على الأخذ بالحجية المطلقة للأحكام الشرعية المستنبطة من الشريعة الإسلامية، كما هى الحال فى فقه الإمام الشافعى، الذى اختلفت أحكامه بتغيير المكان والبيئة الاجتماعية من مصر إلى بغداد، وهو ما يتسق مع الاعتبارات المستقرة بكون الفقه هو الاجتهاد البشرى فى فهم مقاصد ومبادئ الشريعة، ومن ثم فهو متغير ويحتمل الاجتهاد والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة.
3- أن مبادئ الشريعة الإسلامية قد ترددت بمضامين ومعانٍ مختلفة فى النظام القانونى المصرى، والعربى بشكل عام.. فهى تكون بمبادئها وأحكامها سواء المتفق عليها أو التى تتعدد فيها الآراء تارة (مصدرا مباشرا للقاعدة القانونية، وأحيانا مصدرا تاريخيا) يستعان به فى تفسير النص الوضعى حين يستعين به المشرع الوطنى بمصادره المتعددة وسلطته التقديرية لتحقيق مصلحة معينة استهدفها التشريع الوطنى، وهو بهذا المعنى يعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية من المبادئ القانونية العامة التى تحكم النظام القانونى بصورة عامة، ولا تصبح قاعدة قانونية إلا إذا أخذ المشرع نفسه بها ولا جزاء على عدم أخذه بها أمام القاضى الذى يلتزم بتطبيق النص القانونى، كما أصدره المشرع الوطنى، لا فهمه الخاص للشريعة ومصادرها.
كما أنها (أى مبادئ الشريعة الإسلامية) تعد مصدرا باعتبارها أكثر تحديدا من المبادئ المستمدة من القانون الطبيعى وقواعد العدالة التى لا تصلح للتطبيق المباشر، ذلك لكون (مبادئ الشريعة الإسلامية) تحتوى أيضا المبادئ الشرعية الكلية (جوامع الكلم الفقهية) التى استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن «شكل العقد يحكمه قانون محل حصوله»، أو «أن الغش يفسد كل شىء»، أو «الغرم بالغنم»، أو «لا ضرر ولا ضرار»... إلخ.
4- يقترن الإطار الدستورى التطبيقى للنص بتأكيد أن المخاطب بالنص هو المشرع الوطنى، لا أحد غيره، وأنه فى مجال تطبيقه يبطئ أو يعطل أو يرجح وفق المصالح التى يتوخاها، والتى تحتوى فى طياتها سلطته التقديرية تجاه الأخذ من المذاهب والمدارس الفقهية أو الاجتهاد بالإصلاح.
5- اقترن الإطار الدستورى أيضا بمنح المشرع سلطة تقديرية واسعة فى تبنى الحل الذى يراه من الحلول التى أوردها الفقه، دون إلزامه بفقه معين، وإنما بانفتاح على كل المذاهب والآراء، وحين يحدد للقاضى مذهب معين فى حال خلو القانون من نص فإنه يأتى فى إطار توحيد القاعدة القانونية المطبقة على كل المتقاضين ترجيحا لقاعدة المساواة أمام القانون فى إطار المواطنة، واعتبار المصلحة الاجتماعية واحدة دون أن يتصادم مع شريعة أخرى أو يعطلها تجاه المنتمين لها.
6- وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا بقضاء مستقر جواز الاجتهاد فى المسائل الاختلافية وإعمال حكم العقل فى ما لا نص فيه، توصلا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته وعدم إضفاء قدسية على أقوال أحد الفقهاء، أو على الفقه كله، باعتباره منتجا بشريا يمكن الاختلاف معه ولا قدسية له، وإنما هو ثراء فكرى على تنوعه واختلاف اجتهاداته.
7- أقرت المحكمة أيضا حق الاجتهاد، لولى الأمر والمشرع الوطنى، فى ما هو ظنى الثبوت والدلالة أو أحدهما، وربطها بمصالح الناس «أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله»، وحقه فى الاستعانة بأهل العلم، كل فى تخصصه، وحقه عند الاختيار مراعاة التيسير، وأن لا يشرع حكما يتضمن تعسيرا أو تضييقا على الناس «يسروا ولا تعسروا».
8- أقرت المحكمة الدستورية أيضا بوجوب احترام الأحكام الخاصة بغير المسلمين ولوائحهم الخاصة، وامتداد المعايير والأحكام للوائحهم الخاصة (فى غير شؤون العقيدة والأحكام الخاصة)، إعمالا لقاعدة المساواة أمام القانون، وعدم جواز التفرقة بين أبناء الوطن الواحد أمام القاعدة القانونية، ووحدة المصلحة الاجتماعية من النص اللائحى، أو القانونى، وكان من أهم تجليات هذا المبدأ المهم حكمها الذى أسبغ ذات الحماية القانونية على وقف الكنيسة أسوة بالمسجد فى نص بقانون الأوقاف، وحكمها أيضا بتوحيد مدة غيبة الزوج فى لوائح الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس مع النص المطبق على المسلمين.
9- إن الإطار الدستورى فى استنباط الأحكام من مبادئ الشريعة لا يعنى الأخذ بما انتهى إليه أحد المذاهب الفقهية، أو حتى ما اتجه إليه جمهور الفقهاء أو أجمع عليه أصحاب المذاهب الرئيسية.. كما لا يمنع المشرع من إعمال حكم (رأى مرجوح) فى مواجهة (رأى راجح فى زمن سابق)، استنادا إلى تحقيق مصلحة مرسلة قدرها المشرع الوطنى أو ضرورة واجبة الأخذ بالاعتبار.
10- إن إعمال المشرع سلطته التقديرية واجتهاده فيها، يخضع فى جوانب منها للرقابة على دستورية القوانين التى تمارسها المحكمة الدستورية، وتحاكمها من منظور تماسها مع مجمل الحقوق الدستورية والحريات التى تنص عليها فى مواده، وعلى أساس من الوحدة العضوية لنصوصه، التى لا تعلى من شأن نص على حساب آخر، وتراقب سلطة المشرع فى اتساقها مع ما توخاه من مصالح وأهداف التشريع ومن ثم فى ملاءمة ما أخذ به من أحكام للمستهدف منها.

ختاما:
نفضُّ هذا الاشتباك الوهمى لإمكانية التعارض بين المبادئ العامة للشريعة الإسلامية وأحكام القانون الوضعى لتصير العلاقة بينهما تفاعلا حيا لتحقيق مصالح المجتمع
فقد كان مجمل ما أوردناه بهذا البحث الأولى هو محاولة لتحديد الإطار الدستورى للنص فى مجال تطبيقه على امتداد سنوات.. ويبقى أن نؤكد أن هذا النص ومعه باقى النصوص الدستورية فى مجال تطبيقه رهن بمجمل المناخ السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى، الذى تتفاعل معه النصوص تطبيقا والتزاما فى مجتمع يسعى للتقدم، وأن صحة البنيان الوطنى مرهونة بمعالجة العلل التى يعانى منها، والإطار الثقافى لأبنائه وتوافق إرادتهم على أن (الوطن واحد) لا يقبل القسمة على اثنين.. ولا يمكن أن يسمح أبناؤه بانقسام يشق شعبه الذى قال عنه الراحل العظيم جمال حمدان: إنه «كالحجر الصوان».. وبعد.. فهل نفتح الأبواب للالتزام الصادق بما توخاه المشرع من هذا النص دون أن نشجع أحدا بأن ينجرف به عامدا بإساءة استخدامه لتهديد (الدولة المدنية الحديثة) فى مصر أو اعتباره مدخلا لغرض ولاية أو دولة دينية على خلاف ما يستقيم به فهمه وتطبيقه، دون تفسير خاطئ أو تأويل منحرف؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.