«1» عندما اعتقل عام 2006 بعد الحركة الثورية للقضاة المستقلين تعرفت عليه، كان بالنسبة لى اسمه علاء ومنال، لأننى كنت أتابع مدونته التى اسمها منال وعلاء «ومنال هى زوجته التى تنتظر طفلهما الأول خالد خلال الأيام القليلة القادمة». فى ذلك الوقت كانت المدونات الإلكترونية ما زالت حديثة العهد، وكنا -جيلى- نتحسس طريقنا للتعرف على هؤلاء الشباب أصحاب المواهب المتدفقة، والحماسة المشتعلة. منذ التدوينة الأولى وقعت فى غرامهم، حتى أصبحت مثار سخرية صديقاتى، لأننى أضع عناوين المدونات فى المفضل لدىّ لأصل إليها بسهولة. كنت أستمد منهم الجرأة والثقة بالنفس، وأتعرف من خلالهم على حقيقة ما يحدث فى أى مكان يوجدون فيه، حتى لو كان مترو الأنفاق. عندما كتب علاء وقتها عن مشاعره فى السجن، كان بالنسبة لى مفاجأة، لأنها كانت كتابة بلا شعارات متوقعة، كان يكتب وكأنه يتحدث مع نفسه أو مع صديق مقرب، دون أن يضع فى اعتباره ما المفروض أن يقال فى هذا الموقف، وهذه الطريقة فى الكتابة كانت وقتها ما زالت استثنائية. «2» أصبح اسمه بالنسبة لى علاء عبد الفتاح، بعد أن قرأت له عددا من المقالات فى جريدة «الشروق»، رأيته بالصدفة فى مسيرتين مختلفتين، ربما تكون إحداهما فى وداع شهيد، والأخرى بهدف آخر لا أذكره تحديدا، لكن أذكر أنه فى المرتين كان يبدأ هاتفا دون أن يحمل على الأعناق، وبصوت ليس أعلى الأصوات، لكن بحماس مذهل يجعل كل من حوله، بمن فيهم أنا، نفسى نردد وراءه الهتاف. فى المرتين كان الهتاف واحدا «يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم»!! «3» آخر مقالات علاء فى جريدة «الشروق» كان بعنوان «مع الشهداء ذلك أفضل جدا»، كانت عن تجريته الخاصة فى المستشفى القبطى مع الشهداء بعد مذبحة ماسبيرو، أبكتنى كلمات المقال. أبكتنى بحرقة، وكان لبكائى أسباب عامة تصلح أن يشعر بها أى قارئ، وسبب خاص بى وحدى، وهو أننى كنت فى المستشفى القبطى مع الشهداء فى نفس اليوم الذى كتب عنه، وقبل وصول علاء وأصدقائه بقليل، وهناك كنت أسأل أهالى الشهداء عن التشريح والطب الشرعى، ومتى ستأتى أو متى ستذهب الجثامين إليه؟ وفوجئت بثورة غضب ضدى من كل من توجهت إليه بالسؤال، وكان من ضمنهم رجل دين يقول ما معناه إن التشريح حرام، حتى إن ابن أحد الشهداء «فى نحو العشرين من عمره» اندفع نحوى صارخا وباكيا، وكاد يشتبك بى لولا أن منعه أحد أصدقائه واحتضنه، فانهار الشاب فى أحضان الصديق يردد «اللى هايلمس أبويا هاقتله»، انسحبت يائسة ألعن الجهل والفقر والزحام والطائفية والدنيا كلها. «4» كتب علاء فى هذا المقال ضمن ما كتب «قمنا بدور تصورنا فى البداية أنه شبيه بدور الأمن المركزى، لكن شتان، لن أفهم أبدا بعد اليوم كيف يتصور أى جهاز أمنى فى أى مكان فى العالم أن العنف وسيلة فاعلة فى ضبط سلوك جماهير غاضبة أو خائفة، من الذى أشار على كل حكومات الأرض أن النزول بسلاح فى مواجهة جماهير سيهدئهم؟ لم نملك سلاحا أمام موجات الغضب إلا الأحضان، رمينا أجسادنا أمام الجموع وبالحضن وبدموع تبكى الشهداء استطعنا أن نبدد ضلالات واقع طائفى عسكرى وننشر حقيقة حلم مصر الحرة». ما نجح فيه علاء وزملاؤه فى هذا الموقف الصعب، من تأمين للأطباء الشرعيين، وتمكينهم من أداء عملهم وإقناع الملتاعين الغاضبين المرعوبين بأن يهدؤوا ويثقوا ويصدقوا، كان أشبه بمعجزة. «5» علاء عبد الفتاح محبوس الآن فى سجن استئناف باب الخلق بتهمة التحريض واستخدام العنف والاستيلاء على سلاح فى نفس الأحداث «ماسبيرو».