فى أيام الثورة ووجود الثوار فى ميدان التحرير وميادين مصر مع الإصرار على إسقاط النظام ورحيل مبارك، ولم يعد أى تغيير يجريه ذا فاعلية، سواء بتغيير الحكومة أو بتعيين نائب أو بدعوة الأخير إلى الحوار والوعد ب«النية» بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى.. فلم يعد يصدقه أحد وفقد الثقة والشرعية. فى تلك الأيام كان النظام المصرى يطلق علينا عبر قنوات التليفزيون المصرى «حيث الكذب الحصرى» وبرامج التوك شو المسائية التى كان مسيطرا عليها النظام بأجهزته الأمنية، وأنس الفقى، ومجموعة من موالسيه ومنافقيه المدعين الذين كانوا يحاولون أن يرعبوا المواطنين البسطاء وتخويفهم من الثورة ومن نزول الجيش إلى الشارع وترك الحدود. ووصل الأمر ببعض منهم إلى الحديث عن تحركات إسرائيلية على الحدود لإشغال الناس عن ثورتهم العظيمة ضد النظام المستبد الفاسد وكذا التأثير على المواطنين الذين كانوا يجلسون فى بيوتهم، وصنع حالة من التعاطف مع النظام السابق، وأن يكتفوا بما وعد به من تغيير.. وهو الذى لم يكن مؤمنا بالتغيير أبدا! لكن كل هذه المحاولات فشلت أمام هؤلاء المنافقين من إعلاميين وسياسيين فضحهم إصرار الشعب على إسقاط النظام. وللأسف الشديد نجد عودتهم هذه الأيام فى بعض برامج وقنوات الفلول، يتحدثون ببجاحة وبشكل فج عن الثورة والثوار والنظام الفاسد الساقط، فهم شخصيات عديمو الدم عندما كانوا ينافقون النظام السابق وابنه، وأفسدوا الحياة السياسية والإعلامية من أجل المنح والعطايا التى كانوا يحصلون عليها من النظام السابق، وعديمو الدم أيضا الآن بخروجهم السافر والفج فى الكلام عن الثورة والثوار فى قنوات وبرامج الفلول. ونجحت الثورة، وأسقط الثوار وميدان التحرير وميادين مصر النظام الفاسد الذى لم يكن يرى غير نفسه، ولم يهتم أبدا بالشعب، وكان كل همه الحفاظ على كرسى الحكم وتوريثه لابنه، وليذهب الجميع إلى الجحيم. نجحت الثورة وامتد تأثيرها إلى الوضع الإقليمى، لتعود مصر إلى موقعها الرائد، وتأثيرها المهم على الآخرين، بعد أن نجح مبارك وعصابته فى عزلها عن دورها لتخرج ثورات فى العالم العربى فى ليبيا ضد نظام القذافى الفاسد وأولاده، وفى اليمن ضد الديكتاتور والفساد، وفى سوريا ضد الجزار بشار الأسد وارث الفساد والاستبداد، الذين جميعا لم يتعلموا الدرس بعد من الثورة المصرية العظيمة، فما زالوا يصرون على التمسك بالسلطة بعد أن فقدوها شعبيا وشرعيا، ليستمروا فى جريمتهم العلنية بقتل شعوبهم بالدبابات والمدافع التى لم يستخدموها أبدا ضد أعداء أوطانهم الحقيقيين، فأصبح الشعب عندهم هو العدو لكن الشعوب صامدة وتستلهم الثورة المصرية فى الانتصار على المستبدين والفاسدين.. وامتد تأثير الثورة المصرية العظيمة إلى إسرائيل، بدءا من إشاعة الاضطراب فى الجيش والحكومة منذ أيام الثورة، مرورا بسقوط مبارك وحتى الآن، وعلى خلاف ما كان يذكره أتباع ومنافقو نظام مبارك من إعلاميين وسياسيين تم تجنيدهم لإشاعة روح الهزيمة لدى المصريين، للاكتفاء بما كان يقدمه النظام البائد. لقد وصل تأثير الثورة المصرية إلى داخل الكيان الصهيونى، ليخرج الإسرائيليون فى الشوارع بمئات الآلاف ضد سياسات حكومة نتنياهو وينصبون خيام الاعتصام ويطالبون بأحد مطالب الثورة، من تحقيق العدالة الاجتماعية، ويرفعون شعاراتها، مثل «ارحل»، ووصل الأمر إلى أن تكون هناك لافتة مرفوعة فى الاعتصام «هنا مصر».. ليقول مسؤول إسرائيلى بارز: إن مصر أصبحت هنا. فى إشارة إلى تأثر الثوار الإسرائيليين ضد نتنياهو بالثورة المصرية. وكأن مصر احتلت إسرائيل دون حرب أو دبابات، أو مدافع أو ضربة جوية! هذه هى مصر ودورها وتأثيرها، حتى وهى فى الوضع السلمى تستطيع التأثير على إسرائيل فى الداخل، وتغير من طبيعة القوى والتحالفات السياسية الهشة وتثير الرعب لدى الكيان الصهيونى. لكن النظام السابق خان ذلك، فلم يكن يقدّر دور مصر وشعبها وجغرافيتها وتاريخها. كان رجلا موظفا، فسلم نفسه لإسرائيل وتخيل أنها ستحميه وتحافظ على سلطانه وستدعمه فى توريث حكمه. فاستجاب لكل ما يطلبونه بل وزيادة، فكان دائما ضد المصالحة الفلسطينية، وساعد فى حصار الفلسطينيين فى غزة. باع لهم الغاز -متبرعا- بأبخس الأثمان. ويستمع إلى نصائحهم وينفذها حتى ولو كان ذلك على حساب دور مصر وعلاقاتها الإقليمية والدولية. ليسقط فى النهاية بثورة شعبية عظيمة، ويرفع الإسرائيليون فى شوارعهم لافتة «هنا مصر».