تحكى كتب التاريخ أن أحد السياسيين الصينيين القدماء، سُئل عن أول شىء سوف يفعله بعد توليه الحكم، فقال: سوف أعيد تسمية الأشياء! ويبدو أن السياسيين الجدد يحذون حذو أجدادهم السابقين، فبنظرة سريعة على ما تقوم به القوى السياسية الثورية، التى تتولى مقاليد الحكم تجد أن إعادة تسمية الشوارع، والميادين، والقوانين، والدساتير، والمدن، والمنشآت، تأتى على رأس أولوياتها. لقد كان من نتائج ثورة يناير طوفان من التسميات الجديدة، سواء لأشياء ومؤسسات وكيانات قديمة، كما هى الحال مع مئات المدارس، والمستشفيات، والملاعب، والمشاريع، والجوائز، التى حملت اسم مبارك، أو اسم زوجته، أو حفيده، أو لمؤسسات، وكيانات جديدة، كما هى الحال مع الأحزاب الجديدة.. إعادة تسمية ما هو قديم يدخل فى إطار الرغبة فى طمث آثار العهد البائد، والتخلص من أبرز ملامح الحكم الفردى الاستبدادى التى تتمثل فى الدمج بين شخص الرئيس، والدولة بكل مؤسساتها، ليصبح الرئيس هو الدولة، ويطغى حضوره على كل شىء آخر، حتى الوطن ذاته. أما تسميات الكيانات الجديدة، التى ظهرت بعد الثورة، مثل الأحزاب الجديدة، فهى عمل بالغ الأهمية فى الدلالة على الهوية التى يختارها كل حزب لنفسه، فالاسم يختزن أهم الصفات التى يرغب كل حزب جديد أن يُعرف ويشتهر بها.. عادة ما يكون اسم الحزب إما وصفا للمبادئ التى يعبر عنها الحزب أو يقوم عليها أو يسعى لتحقيقها، مثل تسميات حزب العدل، وحزب النهضة، وحزب الحرية والعدالة، وإما وصفا للمشاركين فيه من أشخاص، أو كيانات مثل حزب المصريين الأحرار، وحزب أبناء مصر «تحت التأسيس»، وحزب ثوار التحرير «تحت التأسيس»، وإما استلهاما لحدث تاريخى استثنائى مثل حزب 25 يناير. هناك عدد من الملاحظات حول تسميات الأحزاب المصرية بعد الثورة: الملاحظة الأولى: أن معظم التسميات الجديدة تتكون فى الغالب من مفردات تحيل إلى مفاهيم وممارسات، كانت شبه مفتقدة فى النظام السياسى السابق، كالحرية والديمقراطية والعدل والوعى، مثل حزب مصر الحرية، وحزب العدل، وحزب الوعى الحر، وحزب الحرية والعدالة، والحزب الديمقراطى الاجتماعى، وهى مفاهيم سياسية فى الأساس، وإن كان لها أبعاد اجتماعية واقتصادية.. وعلى الرغم من استخدام بعض هذه المفردات فى أسماء أحزاب قديمة، مثل مفردة «الديمقراطية»، فإن معنى الكلمة والإيحاء المصاحب لها يختلف إلى حد كبير بفعل ثورة يناير. الملاحظة الثانية: هى غياب ظاهرة الأسماء المركبة من عدد كبير من المفردات، كما هى الحال مع بعض تسميات الأحزاب القديمة، مثل حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، أو الحزب العربى الديمقراطى الناصرى، أو الحزب الدستورى الاجتماعى الحر، أو حزب مصر العربى الاشتراكى، ويشير هذا إلى تغير فى وظيفة الاسم، فلم يعد الاسم هو أيقونة للحزب، فلا بد أن يحمل كل صفاته الجوهرية، بل أصبح الاسم يقوم بوظيفة محدودة هى مجرد الإشارة إلى الحزب، دون أن يطمح إلى اختزال أهم سماته فى كلمات معدودة. الملاحظة الثالثة: هى أن كثيرا من تسميات الأحزاب الجديدة لا تشير إلى الانتماءات الفكرية التى تقوم عليها، أو تعبر عنها.. فهناك إخفاء يبدو متعمدا للأيديولوجيات التى تقوم عليها الأحزاب الجديدة، خصوصا الأحزاب الدينية، التى شكلتها جماعات الإسلام السياسى، كالإخوان المسلمين، أو السلفيين، هذا الإخفاء يقوم بعدة وظائف، أهمها التحايل على المبدأ الدستورى الذى يقضى بعدم جواز تأسيس الأحزاب على أساس دينى، الوظيفة الثانية هى إخفاء البعد التمييزى الذى تقوم عليه مثل هذه الأحزاب، فالإقبال على الانتماء إلى أحزاب جماعات الإسلام السياسى غالبا ما يقتصر على أعضاء هذه الجماعات نفسها، وتيسر عملية إخفاء الأساس الأيديولوجى للحزب من إمكانية دخول أشخاص آخرين من المتعاطفين مع الجماعات، من غير المنتمين إليها، أو ممن ليست لديهم معرفة بالأساس الأيديولوجى، الذى تقوم عليه. الملاحظة الرابعة: أن بعض تسميات الأحزاب الجديدة، لا تحمل أى دلالة سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، بل مجرد دلالات أخلاقية أو دعوية، مثل تسمية حزب النور، وحزب الفضيلة «تحت التأسيس»، وهما حزبان ينتميان إلى جماعات الإسلام السياسى.. وتكشف مثل هذه التسميات عن الخلط بين الماهية السياسية للأحزاب، والطبيعة الدعوية لجمعيات الوعظ والإرشاد الدينى، وأظن أن الساحة المصرية تشهد حاليا نزوحا جماعيا للفاعلين فى حقل النشاط الدينى إلى العمل فى حقل السياسة، ويبدو هذا رد فعل طبيعيا للقيود التى فرضها النظام السابق على الانخراط فى العمل السياسى، لمدة تزيد على خمسة عقود، وأتوقع أن تتبع هذه الموجة من الرحيل إلى مجال السياسة موجة أخرى للعودة إلى مجالات الوعظ والإرشاد، بعد أن يتكشف للوعاظ والدعاة أن تحول الواعظ أو الداعية إلى العمل السياسى، لا يجعل منه رجل سياسة، ولا يتيح له فى الوقت ذاته أن يحتفظ بهويته كواعظ أو داعية.