تفاقم الخلاف داخل صفوف حزب جماعة الإخوان المسلمين «الحرية والعدالة» بعد أن اتسعت الشروخ بين التشكيل القديم وبين جناح قوى من شباب الجماعة، أعلنوا تأسيس تيار جديد سموه حزب «التيار الوطنى»، يعمل مستقلا عن حزب «الحرية والعدالة». وقد يكون بغطاء منه. ولكنه استدعى أمين عام الحزب إلى تهديد أنصار التيار الجديد بالفصل أو الاستقالة باعتبارهم خارجين على الجماعة. وتبدو هذه الظاهرة وكأن جذورها كانت تختمر منذ بعض الوقت فى أحشاء الجماعة، ولم تلبث أن طفت على السطح بمجرد إعلان قيام حزب «الحرية والعدالة»، حيث يستقطب العمل السياسى والحزبى أنشطة وأفكارا ومبادرات تنافسية قد لا يرضى عنها الحزب الأم، ويجرى اختبارها على أرض الواقع وفى ميدان العمل العام، ويتحرر أعضاؤه من القميص الحديدى لمبدأ السمع والطاعة الذى يصبغ معظم التشكيلات والجماعات ذات البعد الإسلامى. وقد سبق انشقاق هذا التيار الشبابى، مؤشرات ذات دلالة واضحة على أن التماسك الداخلى للجماعة ليس بهذه الصلابة التى أثارت جزع الكثيرين وانزعاج القوى المنافسة على الكعكة الانتخابية، بعد أن توزعت القوى وأعلن د. عبدالمنعم أبوالفتوح ترشحه لمنصب الرياسة، مخالفا بذلك قرار الجماعة بعدم الدخول فى معركة الانتخابات الرياسية بمرشح من عندها. ومن ثم أصدرت قرارا بفصل أبوالفتوح، مضحية بواحد من أبرز وأقدم قياداتها، وهددت المشاركين فى حملته بالفصل. وبينما يستعد الدكتور محمد سليم العوا لخوض المعركة كمرشح إسلامى مستقل للرياسة، مؤيدا فيما يبدو بحزب «الوسط» الأكثر اعتدالا ووسطية من الإخوان المسلمين، تتنوع اجتهادات تيارات إسلامية وسلفية أخرى تستعد لخوض المعركة دون أن تحسم موقفها من الدخول فى انتخابات الرياسة.. وذلك باستثناء الحزب السلفى الجديد الذى ظهر فى الإسكندرية باسم حزب «النور»، مفتتحا حملته بطريقة لافتة! يصح القول إذن بأن الإسلام السياسى يلعب أدوارا مختلفة فى معركة الديمقراطية دون توزيع رسمى للأدوار حتى الآن من أجل الحصول على نصيب الأسد فى صياغة الدستور وفى الانتخابات البرلمانية، سواء كان الدستور أولا أو الانتخابات. ومن الطبيعى كما يبدو من هذه الخريطة الإسلامية أن حزب «الحرية والعدالة» هو أقوى اللاعبين وأكثرهم تنظيما فى الشارع السياسى.. غير أن الشروخ التى أخذت تظهر وتتسع سوف تغير على الأرجح من طبيعة الحزب الإخوانى وأسلوب تعامله مع القوى الديمقراطية والليبرالية. وإذا كان البعض قد تنبأ بأن المشاركة السياسية سوف تؤدى إلى انقسام «الحرية والعدالة» إلى عدة أحزاب، إلا أن المتوقع أن يحدث العكس، وتتغير الأساليب التى أدت إلى خروج عدد كبير من قياداته. ليس حزب الجماعة وحده الذى يواجه مشكلة الانقسامات. إذ تشير التجارب الحزبية فى كثير من الدول إلى تعرض الأحزاب لأزمات تؤدى إلى انقسام أجنحتها أو خروج بعض قيادييها. وهو ما تعرض له حزب «الوفد» أعرق الأحزاب المصرية، الذى شهد خروج مكرم عبيد وغيره من القيادات الوفدية. وفى حزب «التجمع» أزمة مكتومة من هذا النوع. ونحن نرى ما يحدث من خلافات بسبب تحالف بين الوفد والإخوان أدت إلى خروج سامح مكرم عبيد وآخرين. مازالت مشكلة الأحزاب العتيقة فى مصر والتى تخضع لقياديين من الطراز القديم، إنها لا تترك مكانا للأجيال الجديدة من شباب الثورة، وتظل تعتمد على النخب القديمة التى اعتادت ردود فعل الأغلبية الصامتة. وقد لوحظ أن شباب الأحزاب القديمة وقفوا فى معظم الأحيان موقف المتفرج من ثورة يناير ولم يتقدموا للمشاركة إلا فى وقت متأخر.. فى انتظار ما تقوله قيادات أحزابهم وليس ما تنطق به قلوبهم وعقولهم. ومن هنا تبدو الضرورة التى حتمت قيام التحالف الديمقراطى بين الأحزاب.. فالحاصل هو أن ثورة يناير قد ألقت بظلالها على الشباب فى الأحزاب التقليدية، وخلقت واقعا جديدا، وأصبحنا بإزاء ديمقراطية يعيد الشباب صياغة النموذج الملائم لها. وبعبارة أخرى.. فالأجيال الجديدة تتقدم والأجيال القديمة تتراجع!