كما كتبوا بدمائهم أول قصص النضال ضد إرث ثقيل من الاستبداد والقمع وفساد الحكم فى العالم العربى على مدار نصف قرن، وزلزلت ثورتهم ضد دولة بن على البوليسية عروش طغاة المنطقة الآخرين، مبارك والقذافى وصالح والأسد، يستعد أبناء تونس لكتابة ما يمكن أن يكون أول قصة نجاح للربيع العربى، عندما يتوجهون اليوم (الأحد) للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات لا تعرف نتائجها مسبقا، للمرة الأولى فى تاريخ تونس السياسى، وربما المنطقة، وانتخاب مجلس تأسيسى يضع دستورا جديدا «للجمهورية الثانية» فى تونس. تونس تبدأ اليوم أولى خطواتها على طريق الديمقراطية كطفل كان يحبو، لكنه يسير لأول مرة وخطوته ليست عادية، ينظر إليها بترقب كل من ساروا على درب الثورة الذى فتح التونسيون أبوابه. وبعد 9 أشهر من فرار زين العابدين بن على ومرحلة انتقالية أولى تخللها بعض الاضطرابات، يتوجه أكثر من 7 ملايين ناخب تونسى لاختيار 218 عضوا فى مجلس وطنى تأسيسى. وتتمثل مهمة المجلس التأسيسى فى وضع دستور جديد يحل محل دستور 1959 ويتولى التشريع وتقرير السلطات التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية الثانية التى تلى الانتخابات وإلى حين تنظيم انتخابات جديدة فى ضوء الدستور الجديد.. وأهمية هذه الانتخابات ترجع إلى أسباب عديدة على رأسها إصرار الشعب التونسى الحقيقى والملح على أن تتم فى أجواء شفافة وعلى أساس الممارسة النزيهة بين ما يزيد على 1400 قائمة اشترك فى وضعها أكثر من 80 حزبا سياسيا تشارك فى الانتخابات من مجموع 116 حزبا سياسيا ناشطا فى البلاد، إضافة إلى المستقلين، حيث تشير البيانات الإحصائية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى أن عدد المرشحين بلغ 11 ألفا و686. وتوزع المرشحون لهذه الانتخابات على 1521 قائمة انتخابية، منها 827 قائمة انتخابية حزبية، و660 قائمة انتخابية للمستقلين، و34 قائمة ائتلافية، وتجرى الانتخابات فى 27 دائرة انتخابية داخل تونس و6 دوائر مخصصة لأفراد الجالية التونسية فى الخارج، موزعة على أوروبا والأمريكتين والعالم العربى. والانتخابات تجرى فى وجود 5 آلاف مراقب تونسى و530 أجنبيا، منهم 3 رؤساء دول سابقين، إلى جانب العشرات من المنظمات التونسية والدولية، والانتخاب يقوم على نظام النسبية التى تسمح بتشكيل خارطة سياسية داخل المجلس التأسيسى تمثل غالبية شرائح المجتمع التونسى فى أفكاره ومبادئه وتوجهاته السياسية وغير السياسية، بما يمنع سيطرة الأحزاب الكبرى على المجلس.