صدقت نبوءة الفنانة الكبيرة الحساسة عفاف شعيب، إذ رأت فى ما يرى النائم، خيرا اللهم اجعله خيرا، «شبابا مصريين، لونهم من لون بشرتنا، قد ذهبوا إلى لندن للتدرب على سرقة الدبابات من الجنود فى الشوارع ثم دهس متظاهرين بها». ولقد ضحكنا عليها واستهزأنا بها، وقلنا عنها كيت وكيت، واتهمناها بالهرتلة والعياذ بالله. لكنها صدقت. وأيم الله صدقت. وما الرواية التى سمعناها عما حدث فى ماسبيرو، وعن البلطجى الذى سرق المدرعة إلا رواية عفاف شعيب، لا تقِلّ حرفا ولا تزيد حرفا. لا البلطجى بعيون خضراء ولا شعر أصفر فنقول إن الرواية تختلف فى تفاصيل جوهرية، ولا هو حين سرق المدرعة ركّب لها أجنحة وطار بها فى الهواء وعمل زوووووو. أبدا. كأنه سامع عفاف شعيب وهى تتحدث، وينفذ ما تقول. السؤال الآن: من أين أتت عفاف شعيب بهذه القدرات الاستشرافية؟ لا عرفنا عنها عرافة ولا أبصرنا لها من قبل بَصارة، ولا قال لنا أحد من أصدقائنا الذين يعملون معها إنها تدور بين الكواليس مرنمة «أبين زين أبين واشوف الحظ فين، واكشف عن المتخبى واعرف طريقه منين، واتوصى بالحلوين أنا أبين زين أبين» لم تعمل من قبل فى جوقة أحد المحللين السياسيين العتاق الجهابذة الذين يقضون حياتهم يخيفوننا من مروج وكُرَبٍ وشرٍ قد اقترب، ويعيشوننا فى مخاوف طفولتهم، فى عشرينيات القرن الماضى، ولا عُرف عنها صلة بشبكة «أساسى» للوعى السياسى، ولا شبكة «موافى» للغزو الثقافى. لا بد أن تتكاتف الأمة إذن لاستقصاء مصدر هذه المعلومات. إن كانت شعيب على اتصال بكائنات فضائية فبها ونعمت، وهى كنز قومى، تفيدنا فى توقع الحروب والكوارث القادمة. وإن كانت ذات كرامات، فبها ونعمت، تفيدنا فى مسائل الربط و«العمل» وغيرهما من المشكلات الحساسة، ولو فى البيت ثعابين ستكون أولى من الغريب. بدلا من إحضار خبير أفاعى من الرفاعية لإخراج الحنش من البيت، خليك أوريجينال وهات عفاف شعيب، ومدد يا رفاعى مدد. أما إن كانت شعيب على اتصال بأجهزة معلوماتية داخل الدولة المصرية، خصتها هى دون غيرها بهذه المعرفة، فهذا أمر خطير. أولا لأن هذه الأجهزة المعنية لم تفلح فى وقف عمليات «سرقة المدرعات» رغم علمها بها منذ ثمانية أشهر، وثانيا لأن هذه الأجهزة اختارت تبليغنا بالمعلومة وسط فاصل كوميدى من البكاء على أطلال الرِيَش والبيتزا، وهو اختيار أضر بالمعلومة الحساسة ضررا بالغا إذ جعلنا نستهين بها ونعتقد أنها مجرد خيال شاطح فى الكوميديا لشخص لم يراع حساسية الموقف. كان يجب على الأجهزة الحساسة أن تضع المعلومة الحساسة فى مكان حساس لشخصية حساسة، كما تفعل دائما. كان خروج المعلومة الحساسة أمام أعيننا وأسماعنا من المكان الحساس للشخصية الحساسة بإمكانه أن يشعرنا بمدى حساسيتها. ولكن.. يجب أن لا نهمل الاحتمالات الأخرى للموضوع. ربما لم يكن فى خيال أحد من البلطجية أبدا أن يتجرأ ويسرق مدرعة، لأنه يعلم أنها جريمة عقوبتها الإعدام. لكن عفاف شعيب ألهمته. أو ربما يكون البلطجى الذى سرق المدرعة هو نفسه الشخص الذى تنكر من قبل فى صورة مسؤول مطّلع وأسرّ للسيدة شعيب بخطته الجهنمية، من باب «قد أعذر من أنذر». وهذا خطير. لأنه يعنى أن الأجهزة الحساسة مخترَقة من قِبل أشخاص يفتقرون لا إلى الإحساس الإنسانى فقط، بل إلى أقل قدر من تقدير الحساسيات المجتمعية والوطنية. ربما لو فتحنا الموضوع، بعد اكتسابه المصداقية، لقادنا إلى الشبكة اللندنية التى تحدثت عنها السيدة شعيب، فلندن ليست مكانا متخيلا، وما دام جزء من الموضوع حقيقيا فقد تكون باقى التفاصيل حقيقية. حينها قد نصنع نصرا دبلوماسيا يذكّرنا بنصرنا أيام العدوان الثلاثى، ونرفع عفاف شعيب على الأعناق. بل وربما اخترناها رئيسة لنا تنقلنا من الحاضر إلى المستقبل. لقد أثبتت أنها محل ثقة جهات حساسة، ويجب أن تكون محل ثقتنا نحن أيضا. ثمة احتمال أخير. لا أجرؤ على التفكير فيه. كلما راودنى استعذت بالله من الشيطان الرجيم. وقلت فى نفسى «اللهم اخزيك يا شوشو».