هى شابة صغيرة الحجم والسن، لم تكمل العشرين، تعرفتُ عليها أو تعرفتْ هى علىّ فى ميدان التحرير، أخذتنى من يدى وتبعتُها، أدخلتنى فى قلب أسرة مصرية اعتُقل الابن الأكبر لها وقتها فى السجن الحربى، وأحببت الأسرة الحزينة وأحبنى أفرادها، تبادلنا مشاعر أصبحت نادرة، مشاعر حب بلا مقابل، وما زلت أدين للصغيرة بهذا الجميل. اسمها فرح، تتصل بى كل فترة لسبب محدد، تقول كلاما مختصرا مرتبا مباشرا، لذلك أسعد بمكالمتها. كنت أعرف أنها تدرس الصحافة، لكن لم يخطر على بالى أنها تدرسها فى أكاديمية أخبار اليوم. جاءت فرح مع بعض أصدقائها تحكى لى القصة من بدايتها، وكنت أعرفه بالفعل مما كُتب فى الصحف وأُذيع فى البرامج. مع ذلك كنت أستمتع بالسماع من فرح وزملائها، أفكر فى أثناء حديثهم لو استمع محمد بركات إليهم لا بد سيشعر بما أشعر به الآن. التعرف على أفكار هذا الجيل منه مباشرة متعة حقيقية. اتصل عم فرح بها تليفونيا، سألها «فى خبر فى (الوفد) غريب عن واحد اسمه فرج اعتدى على أحمد زكى بدر واسمه بالكامل زى اسمك». «أيوه يا عمو يقصدونى أنا بس كتبوا فرج بدل فرح» ردت فرح بابتسامة خفيفة. ضحكتُ أنا وزملاؤها عندما قالت: لا طبعا هتعدى علىّ إزاى؟ وأشارت لنا أن نهدأ وأكملت: ولا أى حد اعتدى عليه يا عمو.. طبعا إحنا بنقدم مطالبنا بمنتهى الاحترام. انتهت المكالمة فسألتُها عن موقف أسرتها، فقالت: لسه مش عارفين حاجة لأنهم مسافرين، مش قادرة أقول لهم إنى اتفصلت أنا وأختى من الأكاديمية لمدة سنتين.. هيعرفوا طبعا.. بس لازم يفهموا الموقف كله. قطعتْ هدير الكلام: أنا أبويا مقتنع جدا بموقفنا، بيقول لى ربنا ينصركم، أبويا مش قادر يتصور أن بعد الثورة يبقى عميد الأكاديمية اللى بنته بتدرس فيها.. أحمد زكى بدر. تدخل محمد: موقف الأهل بيختلف وموقف الأساتذة نفسهم بيختلف، وإحنا موقف واحد مش هيتغير، أنا سألت واحد من الأساتذة، ومتأكد إنه رافض تماما زكى بدر وأى واحد رمز للنظام السابق يبقى عميد ومع ذلك وقّع على بيان للمطالبة ببقاء زكى بدر فى منصبه، قلت: ليه؟ ليه؟ قال لى: إحنا جيل جبان.. الحقيقة ده سبب مش مقنع بالنسبة لى. سألتهم: افرضوا فصلوا كل المعترضين واحد ورا التانى، خلاص الأكاديمية هترجع تتفتح والدراسة تمشى وانتو هتبقوا فى الشارع؟ قالوا فى جمل متتالية: بعد الثورة اللى شاركنا فيها لازم كل واحد ينضّف مكانه، ماحدش هينضّف لنا، واللى مايقدرش ينضّف مكانه يبقى مايستحقش أصلا إنه يكون فيه، زكى بدر واحد من الوجوه المكشوفة للنظام السابق لا يمكن نقبلها، وموقفنا الآن هو نفس موقفنا فى المستقبل، لو قبلنا دلوقتى هنقبل طول العمر، وده مستحيل، ممكن أجيال تانية، ممكن حتى ناس من جيلنا ماشاركوش فى الثورة يقبلوا ويخافوا ويفكروا فى مستقبلهم، إحنا مش هنقبل، ولا هنخاف، ومستقبلنا الوحيد اللى مش هنتنازل عنه هو الحرية والكرامة. وعلى فكرة لو إحنا اتفصلنا فى غيرنا كتير.. وزملاءنا بيغيروا موقفهم وكل يوم بيزيدوا إيجابية. الأكاديمية بتاعتنا زى مصر بالظبط كل حاجة فى مصر موجودة عندنا.. يبقى لازم ننتصر.. صح؟ سألتنى الصغيرة.. وأجبت: أيوه صح.