من المواقف التى يذكرها التاريخ للشهيد عبد المنعم رياض، رئيس أركان الجيش المصرى، وقت حرب الاستنزاف أيام كانت مصر تنزف بغزارة، أنه كان رافضا أى تسوية سلمية تتم دون أن ندخل الحرب. كان رياض يرى أن العار الذى ألحقته بنا إسرائيل بعد الهزيمة المريعة لا يمحوه إلا القتال والدم. العقيدة الثابتة للمقاتل الحر أنبأته بأننا لن نعود رجالا مرة أخرى حتى نثأر عسكريا من إسرائيل، ونمسح بكرامتها البلاط، وبعدها يمكن لمن أراد التفاوض أن يتفاوض، ويمكن لمن شاء أن يكمل استرداد الأرض بالسياسة أن يفعل. لم يكن خلف هذا الموقف حب للعنف وسفك الدماء، ولا كان وراءه رفض للسلام فى حد ذاته، لكن كان يكمن فيه حب للعدل ورغبة فى السلام القائم على هذا العدل. أما استرجاع الأرض دون قتال فإنه سوف يترتب عليه طبقا لإيمان عبد المنعم رياض أن تتحول نساء مصر إلى بغايا، ورجالها إلى قوادين بعد أن يصير الوطن دارا كبيرة للدعارة. دار كل هذا برأسى بعد أن ثار الحديث عن محاكمة المخلوع التى تأخرت كثيرا. شعرت بالحزن من وجود تيار سعى جاهدا إلى تحقيق السلام والصلح مع مبارك دون أن نقاتله ونسترد حقوقنا ونأخذ بثأرنا منه. رأى أنصار هذا التيار أننا مثخنون بالجراح ونحتاج إلى الراحة، ورأوا أن مقاتلة حسنى مبارك ستجر علينا غضب السعودية التى تبسط حمايتها على السفاحين من الحكام العرب، كذلك غضب اللصوص المحليين الذين يمتلكون المال الوفير ويمتلك بعضهم صحفا وقنوات تليفزيونية. وللحقيقة فإن هذا عينه هو ما نبه إليه أمل دنقل عندما قال: «لا تصالح ولو قال من مال عند الصدام... ما بنا طاقة لامتشاق الحسام. عندما يملأ الحق قلبك... تندلع النار إن تتنفس ولسان الخيانة يخرس». واليوم بعد أن تحدد موعد المحاكمة ومكانها صباح الأربعاء 3 أغسطس بالأكاديمية التى اسماها ضباط الشرطة على اسم الملعون تيمنا بلعناته، فإننى أخشى أن يكون الموضوع كله مجرد مناورة وتكون نية القتال الحقيقى غير موجودة. ما يدفعنى إلى هذا القول معرفتى بالألاعيب، التى يوجد أطباء جاهزون للقيام بها، وتقارير تنتظر «لطع» توقيعهم عليها تقول إن مبارك -يا عين أمه- مريض جدا وفى سكرات الموت، وحالته الصحية لا تسمح بنقله إلى القاهرة ومحاكمته. أنا أعلم جيدا بوجود أطباء «فالصو» عملوا فى خدمة جلادى أمن الدولة مستعدين لبيع الضمير وكتابة تقارير تخدم الإجرام والمجرمين، كما أعلم بوجود قانونيين لا يقلون استعدادا عن نظرائهم الأطباء لفعل كل ما من شأنه تعطيل محاكمة الأفندى، والسعى لإبعاده عن ساحة العدالة حتى يسلبنا حقنا فى النصر. إننا يا سادة نتمثل روح وعقل عبد المنعم رياض، ونؤمن مثله أن استرداد كل الأموال التى سرقها مبارك وعصابته ورجال أعماله «السودا» لن تفلح فى محو العار عنا، ولن تجعلنا نكمل حياتنا رافعى الرؤوس، كما نؤمن أن إلقاء العادلى فى السجن دون قناصته المجرمين وضباطه الذين أصابت نيرانهم ورصاصاتهم أكثر من عشرة آلاف شاب مصرى، لن يكفل لنا الشعور بالعزة والانتصار، ومن ثم لن نشعر بأننا رجال، وسيظل الإحساس بعار الهزيمة يضغط علينا ويشعرنا بالهوان ما حيينا. السلام القائم على العدل وحده الذى سيجعل التركيبة الكيميائية لمخنا تأخذ وضع الهدوء والرضا. السلام القائم على العدل هو الذى سيقنعنا بأننا أحرار.. لا قوادون ولا شماشرجية، وسيجعلنا نتفرغ لبناء بلدنا وإقامة دولة المؤسسات، ونحن نشعر بالفخر بعد أن ندحر العدو، ونثأر للشهداء من المجرم العتيد حسنى مبارك وعصابته الفاجرة