بعد نجاح ثورتنا العظيمة فى خلع مبارك يوم 11 فبراير، شعرنا جميعا بالسعادة، والحرية، والكرامة الإنسانية. إذ تصورنا أنه لن يهان مصرى مرة أخرى، لا فى وطنه ولا فى الخارج، فقد تخلصنا من الاستبداد والظلم والطغيان، لكن لم تمض سوى أيام قليلة، وفى يوم الجمعة 25 فبراير، قرر بعض الثوار الاعتصام فى ميدان التحرير حتى تتم إقالة حكومة أحمد شفيق. وعندئذ حدثت المفاجأة المؤسفة، إذ حضرت قوات من الشرطة العسكرية، واستخدمت القوة فى فض اعتصام المتظاهرين فى الميدان! فقد استخدم الجيش العصى الكهربائية فى ضرب المعتصمين لتفريقهم، وفض اعتصامهم بالقوة! وتوقفنا جميعا أمام حقيقة مؤلمة للغاية، إذ هناك من أصدر أوامره إلى قوات من الجيش المصرى العظيم، لكى تضرب الثوار الأبطال، وتسحق إرادة شعبنا المنتصر لتوه على قوات الأمن المركزى والبلطجية! فهل كان مطلوبا من الشعب أن يدخل فى معركة أخرى مع قوات من جيشه؟! وإذا حدثت فعلا -لا قدر الله- هذه المواجهات، أليس من المؤكد أن الجيش سينقسم عندئذ على نفسه؟! لذلك أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يوم السبت 26 فبراير، الرسالة رقم (22)، وهذا نصها: «إلى شباب ثورة 25 يناير. اعتذار، ورصيدنا لديكم يسمح. يؤكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشباب ثورة 25 يناير حرصه على تحقيق الأهداف النبيلة للثورة، وأن ما حدث بالأمس خلال مظاهرات جمعة الوفاء، نتيجة احتكاكات غير مقصودة بين الشرطة العسكرية وأبناء الثورة، وأنه لم ولن تصدر أوامر بالتعدى على أبناء الشعب العظيم، وأنه سيتم اتخاذ كافة الاحتياطات التى من شأنها أن تراعى عدم تكرار ذلك مستقبلا. والله الموفق». كانت هذه هى صيغة الاعتذار، فماذا حدث بعد ذلك؟ لعلك تذكر يا صديقى ما حدث يوم 9 مارس الماضى حين تم فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة المفرطة، وهذا تعبير مهذب جدا، ولا يكشف عن حقيقة ما حدث من كشف عذرية البنات، وسحق كرامة الشباب، و.. و..، ثم تكرر الأمر بطريقة أعنف فى يوم 9 أبريل، حين تجمع الشباب حول مجموعة من ضباط الجيش المنتمين إلى شعبنا العظيم، والرافضين لموالسة المجلس العسكرى مع النظام الساقط. وهكذا مرة بعد أخرى يستخدم الجيش القوة المفرطة فى تعامله مع المدنيين العزل، ولم يعد المجلس العسكرى إلى ترديد كلمات الاعتذار، إذ يعتذر عن ماذا بالضبط؟! حتى وصلنا إلى مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر! وهذه كانت القاضية. وإذا تذكرنا معركة العباسية، سنجد الجيش قد استخدم «تكتيكا» مختلفا، فقد استمع إلى نصائح لواءات أمن الدولة، المجهزين بأكثر من مئة وخمسين ألفا من البلطجية والسوابق والمسجلين خطر، والقادرين على التعامل مع المتظاهرين السلميين بمنتهى الإجرام والعنف والقسوة، وهكذا بدأ القادة الكبار يقتنعون بهذا الفكر القديم، ويستخدمون هذا الأسلوب المتخلف فى مواجهة المشكلات! فمذبحة ماسبيرو شارك فيها بلطجية مأجورون، إلى جانب المدرعات، والرصاص الحى! فمن يا ترى سيقبض على هؤلاء البلطجية ويحاكمهم؟ ومن سيحاكم من دهس المواطنين بالمدرعات؟ ومن يسائل من أعطى الأوامر بقتل المتظاهرين؟