كان الورع يقطر من كلمات صفوت حجازى وهو يهدد ويتوعد سته من شباب الثوره بأنهم إذا لم يتوقفوا عن إنتقاد الإسلاميين حيسيحلهم.. وواضح أنه تلقى رساله روحانيه فى لحظتها تفيد بأنهم لن يتوقفوا بدليل أنه أخذ يسيحلهم على طول بدون إنتظار لتوقفهم من عدمه.. أخذ صفوت حجازى يذكرهم بشقة العجوزه.. وبالخمره والنسوان وقلة الأدب.. طبعا لم يشر فضيلته إلى أسمائهم واكتفى بتلقيح الكلام فقط عليهم.. وهذا إن دل على شيء فهو إنما يدل على رحابة صدر فضيلته الذى يبدو أنه أصبح أرحب من اللازم فجاء على حساب مساحة أفقه الذى لم يستطع جعله متسعا ورحبا هو الآخر مثل صدره.. فأصبح ضيقا.. وهو ما لا يمكن إعتباره مشكله.. حيث يمكن أخذ جزء من مساحة الصدر المتسع فى أى وقت لإضافتها إلى مساحة الأفق ليصبح هناك توازنا بين إتساع الصدر والأفق! إذن نحن أمام رجل متسع الصدر ومتسامح لدرجة عدم ذكر أسماء شباب الثوره بتوع شقة العجوزه والخمره والنسوان.. ولكنه فى نفس الوقت ضيق الأفق لدرجة التحدث بتلك اللهجه التى لم تغضبنا عندما سمعناها بقدر ما جعلتنا نتعجب ونتسائل بيننا وبين أنفسنا بدهشه وامتعاض.. «يا نهار اسود.. هو لسه فيه ناس كده»؟! بصرف النظر عن الإمتعاض الذى سوف تمتعضه فى حالة ما إذا كنت كائنا متحضرا عقب إستماعك لكلمات الدكتور الحكيم الحكيمه (الحكيم اللى هو الدكتور.. والحكيمه اللى هى الكلمات) تعالوا نعمل فيها شرلوك هولمز ونحاول حل لغز شقة العجوزه التى يقل فيها شباب الثوره أدبهم ويسكرون ويعيثون فى الشقه فسادا وهم يرقصون مع النسوان.. نحن هنا أمام إحتمال من إحتمالين.. الإحتمال الأول.. طالما أن الدكتور يتحدث بتلك الثقه فهذا ليس له سوى معنى واحد.. أنه قد رأى بأم أعينه الشباب فى شقة العجوزه وهم يستقبلون شحنات الخمور والنسوان ليبدأون حفلات لهوهم ومجونهم الثورى.. مش رأى وبس.. لأ.. دا لازم يكون رأى وتحقق كمان مما رآه.. من منطلق أن ما يمكن أن يكون قد ظن أنها أزايز خمره من الممكن أن تطلع فى الآخر أزايز زيت مثلا.. فمن المؤكد طبعا أن فضيلته ما يعرفش شكل إزازة الخمره ولن يستطيع التمييز جيدا ما بينها وبين شكل إزازة الزيت وخصوصا أن الإتنين لونهم أصفر.. وما يمكن أن يكون قد ظن أنهن نسوان ومزز قد يطلعن فى الآخر بطاطين مثلا.. ففضيلته يعلم طبعا أن الثوره كانت فى الشتاء.. وقد يكون شباب الثوره شعروا بالبرد فقرروا إحضار بعض البطاطين فى نفس اللحظه اللى كان فضيلته معدى فيها من الشارع.. ولأن فضيلته طبعا ما يعرفش شكل النسوان ( زى أزايز الخمره بالظبط ) فقد يكون إختلط عليه الأمر وتصور أن شباب الثوره يحملون على أكتافهم نسوان.. وليس بطاطين ! لو لم يكن فضيلته قد رأى بأم أعينه الخمره والنسوان والعربده فى شقة العجوزه.. فالإحتمال الآخر أن يكون أحد هؤلاء الشباب الماجن قد أخبر فضيلته بنفسه فى قعدة صفا.. قد يكون مثلا فضيلته سأله.. «إنتوا كنتوا فين»؟!.. ليجيبه الشاب الثورى.. «لا.. أبدا.. حضرتك احنا كنا فى شقة العجوزه بنسكر ونعربد.. وكمان كان معانا نسوان».. قد يكون فضيلته نصحه.. «بس يا ابنى ما يصحش كده».. ليجيبه الشاب الثورى بتجرمه وعربده بينما رائحة المنكر تفوح من فمه.. «حنعمل إيه بقى.. حضرتك عارف.. إحنا عيال قللاة الأدب وصيع وعيارنا فالت وما نعرفش نعيش من غير خمره ولا نسوان».. يؤكد شهود عيان كانوا معديين ساعتها من جنبهم أن فضيلته أجهش بالبكاء وهو يخبر الشاب الثورى العربيد الواقف أمامه سكران وبيتطوح.. «ربنا يهديك يا بنى».. تروى الأسطوره بعد ذلك أن فضيلته قد اعتزل الناس لمدة أربعين عاما متصله قضاها فى الجبال.. وظل خلالها يجهش بالبكاء بدون توقف عن الجهش.. حتى هبط بعدها إلى سفح القريه.. ليعقد مؤتمره الصحفى ويسيح للشباب العربيد بينما فى الوقت نفسه يخاطب الصحفيين الواقفين فى المؤتمر يكتبون ما يقوله.. «إتقوا الله فيما تكتبون».. ولشد ما أدهشنى أن أحدا منهم لم يرد عليه.. «يا أخى إتق الله انت فيما تقول» !