ما الذى يقوله الآن عتاة معارضة النظام السابق من الفنانين والكتاب فى لقاءاتهم؟ يقول الواحد منهم: كنت من أشد معارضى النظام.. كنت أكثر من عارضه.. كنت مطاردا من قِبله.. سجننى النظام السابق لأننى كنت أشرس معارضيه.. أعطانى النظام السابق جوائز لأننى كنت معارضا «مفتريا».. كم عارضت الوزير الفلانى.. كما أسهمت فى إقالة المسؤول العلانى.. مثلا.. قال الفنان عادل إمام الذى هلل كثيرا ودائما لمبارك وابنيه «أفلامى كلها كانت تعارض النظام»، والفنان نور الشريف الذى جسد دور مبارك فى مسلسل إذاعى يشيد به، قال «إن النظام السابق كان فاسدا من رأسه»، أما الفنان يحيى الفخرانى، فهو مهموم كما زوجته د. لميس جابر بفوضى الأخلاق بعد الثورة! الآن.. يقول كلهم كلمات من عينة: أين كان كل هؤلاء المعارضين عندما كنت أنا أعارض وأقف فى وجه النظام السابق بمفردى؟! أين كان الثوار عندما كنت أكافح لنشر مقالى المعارض أو عرض فيلمى ومسلسلى المعارض؟ أما الكلمة التى صارت «أكلشيها» مبتذلا، التى تنهى كلام كل من يتحدثون بكثرة الآن عن فتوحاتهم السابقة فهى: أنا مع الثورة.. أنا أحب الثورة.. الثورة «حلوة»، ولكننى ضد كل هذه الفوضى الحاصلة الآن. أى فوضى يقصدون.. وأى فوضى ينتقدون.. وما الذى كانوا يعارضونه.. وكيف كانوا معارضين له؟! كل علامات الاستفهام تقفز أمام العين عندما نرى نجوم معارضة النظام السابق -أو هكذا يتصورون- وهم يستأسدون على الثورة والثوار.. وينتهكون باسم التعقل ورجاحة العقل دماء الشهداء وحزن المصابين وكسرة قلبهم.. يقولون إن الثورة جلبت الفوضى، وأنا البالغة من العمر 33 عاما أعيش فى فوضى منذ ولدت.. بل إننى لم أفهم غير الفوضى، ولم أتعايش سوى معها! يقولون إن الفوضى جرأت الناس على القانون.. ما أبشعكم، فنحن عامة المواطنين البسطاء لم نسمع لكم صوتا عندما كان القانون يُنتهك بشكل ممنهج ومنظم يوميا فى شوارع وحوارى مصر أيام المخلوع. أنا شخصيا ركبت الأتوبيس وكان وسيلة المواصلات المتاحة أمامى، وأعرف معنى انتهاك القانون يوميا، فعن أى انتهاك للقانون تتحدثون الآن، وكيف لبطل فيلم «المنسى» وبطل فيلم «سواق الأتوبيس» وبطل فيلم «خرج ولم يعد» أن يتحدثوا عن فوضى مصر بعد الثورة؟ هل نسيتم أنكم قدمتم أفلاما عن الفوضى فى الثمانينيات والتسعينيات وأيام حكم مخلوعكم؟! شاهدت لقاء مع أديب ومع فنان تشكيلى ومع ثلاثة ممثلين، كانوا نجوما للعهد البائد.. كم كانوا مشمئزين من تواصل الإضرابات وتوقف الحياة وتوقف إنتاج المسلسلات والأفلام والبرامج! لم أفهم كيف لفنانين ومثقفين من المفترض أن الله حباهم حسا مضاعفا يفوق حس العامة من أمثالنا أن يكونوا بهذه الوضاعة.. كيف يمثل شخص وضيع، جمهورا راقيا؟ الفوضى فى نظر نجوم العهد البائد الذين سمعت وشاهدت أحاديثهم كانت فى صدمتهم من مطالبة الناس بحقوقهم، بينما كانوا هم يتكسّبون أيام حكم المخلوع من «الشحاتة» على الناس بالأعمال الفنية والكتابة والبرامج، وكانوا وقتها يسمون الفوضى «سلبيات».. كانوا يهاجمونها فى مقالات وأجرؤهم من كان ينتقد الحكومة.. كانوا يعبرون عنها فى أفلامهم ومسلسلاتهم، وأنصحهم من كان يتحدث عن فساد الداخلية بتقديم ضابط فاسد و20 ضابطا محترما! أما إجابتنا عن سؤالكم: أين كنتم أيام كنا نعارض النظام السابق ونتصدى له؟ فليس لدينا سوى أننا كنا نقرأكم ونشاهدكم ونقتنع بصدق ما طرحتموه، وقمنا بتنفيذ ما عجزتم عن تنفيذه، فهل نُلام اليوم على تصديقنا لكم؟ لم يتخيل المعارضون السابقون أن هناك من هم أكثر شططا منهم.. لم يتصوروا أن من كانوا يقرؤونهم ويشاهدونهم كانوا أكثر صدقا.. كتبوا مقالاتهم فى مكاتبهم الفاخرة، وصنعوا أفلامهم فى استوديوهات معزولة.. وقرأها وشاهدها أحدهم صدفة.. صدقهم وضحى بحياته لأنه استوعب فداحة النظام الذى يعارضونه بمجرد كلمات ومشاهد تمثيلية.. أقدم ومات هو وكان أشجع منهم.. فتراجعوا هم وباعوه وقالوا إنهم كانوا مجرد معارضين من ورق.. وأن الموضوع كان مجرد حنجورية وأكل عيش كى يرتفع سعر الكاتب أو الممثل منهم.. لكنه لم يكن يستأهل التضحية بالروح! أشعل الفنانون والمثقفون شرارة الثورة بأقلامهم ومعايشتهم التمثيلية.. والآن قرروا أنهم كاذبون.. وأن ما كتبوه وما جسدوه كان محض أكل عيش، وأن من مات كان متهورا! فى نظر من صدقكم.. هو شهيد ومن يسعى لأخذ حقه أشرف خلق الله.. هكذا تعلمنا من أفلامكم.