وكالة الأنباء العالمية «رويترز» بثت منتصف الأسبوع الماضى تقريرا خبريا طريفا، رصد ظاهرة انتشار عصابات من المحتالين والنصابين فى فضاء الإنترنت، استغلت الطابع الخاص والمتفرد للثورات العربية، من حيث إن الناس فى هذا الجزء من العالم انتفضوا وثاروا فى وجه نوع نادر من الحكام، ليسوا فقط مستبدين وديكتاتوريين ساسوا شعوبهم بالقوة والقهر وساموهم صنوف الذل والعذاب، وإنما أيضا نشالون وحرامية، عمدوا على مدى سنوات وعقود حكمهم الطويلة إلى إلغاء أى فرق بين خزائن الثروة والمال العام وجيوبهم وجيوب أنجالهم وأقاربهم وأصهارهم وأتباعهم. ويشير التقرير إلى أن النصابين السارحين فى تلافيف الشبكة العنكبوتية أدركوا هذه الحقيقة مبكرا، ولهذا لم يضيعوا وقتا كثيرا، بل سارعوا بعد نجاح شعوب بعض أقطارنا فى خلع وإسقاط الطواغيت اللصوص من على عروشهم إلى اغتنام الفرصة، وراحوا يبثون سيلا من الرسائل الإلكترونية التى ينتحلون فيها هويات وأسماء أشخاص من أقارب الحكام المخلوعين أو مساعديهم المقربين، ويعرضون تحويل نسب كبيرة من الأموال التى نهبها هؤلاء إلى حساب أى شخص طماع تصل إليه واحدة من هذه الرسائل ويصدقها، ومن ثم يتهور وينفذ ما تحتويه من إجراءات وشروط، أهمها أن يعيد أخونا الطماع العبيط الرسالة التى وصلته إلى مصدرها، وقد كتب فيها بيانات ومعلومات تفصيلية عن حسابه فى البنك.. وبعد ذلك طبعا، كل عام وأنتم بخير إذ سيتولى النصاب «كنس» هذا الحساب وتنظيفه تماما مما فيه! تقرير «رويترز» عرض نماذج من رسائل الاحتيال هذه، ففى إحداها تدعى إحداهن أنها زوجة عقيد ليبيا الهارب معمر القذافى، وتقول إنها تمكنت من الفرار إلى تونس، وإنها تبحث يائسة منذ هربت عن «شريك موثوق» به تستطيع أن تحول لحسابه مبلغ 25 مليون دولار. وحتى لا يبدو الأمر مجرد «بزنسة» خشنة، تضيف المحتالة شيئا من الملينات العاطفية والإنسانية من نوع أنها تعانى يا عينى «شعورا موجعا بالاكتئاب والحزن.. لقد سئمت من الحروب ومشاهد الدماء والدمار والقتل اليومى للناس فى بلادى»! لكن زوجة القذافى المزعومة تدرك أن زبونها الأهبل لا يهمه كل هذا الكلام الفارغ، وإنما يتحرق شوقا إلى مزيد من المغريات التى تهيج أطماعه، لهذا تنتقل الرسالة بسرعة إلى تفاصيل العرض، فتقول الست المحتالة إنها مستعدة للتنازل عن 35 فى المئة من المبلغ المذكور مقابل تأمينه و«غسله»، وتطلب مساعدتها «فى استثمار النسبة الباقية (65 فى المئة) فى أى عمل أو مشروع تجارى مربح فى بلدك، وإذا لم يتسن لك ذلك فأرجو أن تخصم نصيبك المتفق عليه وتحافظ على المبلغ المتبقى لى حتى تهدأ الأوضاع»! وهناك نموذج آخر من رسائل النصب الإلكترونية شاع وانتشر فورا بعد خلع حسنى مبارك، منها مثلا رسالة يتقمص صاحبها شخصية السيدة سوزان ثابت زوجة الأستاذ المخلوع بتاعنا، ويبدو من الطريقة التى صيغت بها عبارات الرسالة أن النصاب أو النصابة درس الموضوع بعمق وذكاء وأن لديه إلماما معقولا بمجريات الأحداث فى مصر، فسطور الرسالة تبدأ بمناشدة عاطفية حارة لضمير المرسل إليه، راجية منه أن يظهر شهامته وتعاطفه مع امرأة كسيرة غلبانة تكابد «يأسا شديدا بسبب حال الاضطهاد والحصار والعداء والإذلال التى تفرضها علىّ وعلى أسرتى القيادة العسكرية التى تحكم بلادى الآن»، وتمضى الست سوزان المزيفة فى الشكوى فتقول بخبث إنها «مصدومة فى الجميع وقد فقدت الثقة بكل الناس حولى، لذلك أرجوك أن تساعدنى فى تحويل مبلغ مليون دولار من حساب أحد وكلائى فى الخارج إلى حسابك قبل أن تصل إليه يد السلطات فى بلدى، ومستعدة أن أعطيك النسبة التى تريدها من هذا المبلغ بشرط أن تحتفظ لى بما يكفى منه لكى أعيش بكرامة الفترة البسيطة الباقية من عمرى»!