الثورة التي أطاحت برئيس مصر السابق حسني مبارك أذهلت العالم، إذ نهض شعب طالما كان مثارا للسخرية لما كان يبدو عليه من خنوع قدري، نهض بشجاعة وعزيمة لتنحية حاكمه المستبد، لكنه بعد 8 أشهر على الإطاحة بمبارك، تقول مجلة الإيكونومست البريطانية العريقة، إننا أكبر البلدان العربية من حيث السكان وأكثرها نفوذا، في خطر أن تنجرف بلا هدف، فالاقتصاد أصبح أكثر ضعفا، وسياسات البلد استحالت أكثر غموضا، فيما بات المزاج العام أكثر ضبابية. وتمضي المجلة إلى القول إن قرارات المجلس العسكري الذي تعهد بإجراء انتخابات تعددية، أصبحت مترددة، وإن من الأهمية بمكان ليس فقط ل85 مليون مصري، بل للعالم العربي بأكمله أن تصبح مصر نموذجا للتغيير. وقالت:« الانتقال إلى الديمقراطية لا يجب أن يتأخر، يجب أن يسرع الجنرالات من تحركهم باتجاه هذا الهدف.» منذ البداية كانت الثورة المصرية هي الثورة الأكثر تفردا عن باقي ثورات الربيع العربي، على حسب تعبير الإيكونومست. فقد كانت الأكثر سلمية، وافتقدت لقيادة منظمة، وبدا أنها ستترك انطباعا جيدا في نهايتها، مع ما خلفته من ضجيج وانتقادات شعبية محدودين بشكل لافت، عندما تولى المجلس العسكري مقاليد الأمور. وتابعت أن المجلس العسكري وعد بتوفير الأمن في الشارع وتخليص البلد من الانتهاكات والفساد ووحشية الشرطة، فيما قال الجنرالات الذين يبدو أنهم لا يريدون الاستمرار في السلطة، إنهم سيسلمونها إلى حكومة مدنية منتخبة في أسرع وقت ممكن. بعض التقدم تم إحرازه نحو الوفاء بهذه الوعود، كما تقول الإيكونومست، التي تلفت إلى إن الصحافة باتت أكثر حرية، وتم تطهير البلد من مسئولين فاسدين أحيلوا للمحاكمة، بينما أصبحت سلطة جهاز أمن الدولة سئ السمعة مقيدة بشكل محكم. كما تشير إلى الجدول الزمني لإجراء الانتخابات البرلمانية الذي أعلنه المجلس العسكري مؤخرا، لانتخاب برلمان يكلف بإعداد دستور جديد للبلد، يعقبه إجراء انتخابات رئاسية. غير أن الصحيفة تقول إن الجنرالات تحركوا بشكل بطئ، وفي الغالب بدا تحركمهم مكرها بدافع الاحتجاجات المتواصلة. وتردد أعضاء المجلس العسكري في تبني روح الثورة، تسبب وفقا للإيكونومست، بإرساء شعور بالغضب، وكثير من قرارات المجلس العسكري تبدو متسرعة وغير رشيدة، وتعكس ليس فقط ما يمكن أن يسفر عنه حكم لجنة من العسكريين، بل أيضا عدم خبرة في الشئون المدنية. وتمضي إلى القول إن اعتماد الجنرالات على قوانين الطوارئ والعدالة المتسرعة التي تقدمها المحاكم العسكرية، لم تفشل فقط في الحد من الجريمة، بل إنها تشوش على أهداف الثورة الأساسية. المجلة حذرت كذلك من أن رفض عروض المساعدات الخارجية لن يسهم في علاج مشكلة عجز الموازنة الخطيرة والمتفاقمة، كما أن رفض الإشراف الدولي على الانتخابات يترك انطباعا بسيطرة الشكوك والخوف من الأجانب على قراراتهم، شأنه في ذلك شأن تحميل وسائل الإعلام بسبب انتقاداتها اللاذعة يسهم فقط في إسكات الحوار ويزيد المخاوف من العودة إلى الأساليب القمعية. وبينما رسمت ثورة تونس مسارا منطقيا نحو الديمقراطية بإجراء الانتخابات نهاية الشهر الحالي لانتخاب برلمان دستوري ملائم، فإن الجنرالات بحسب الإيكونومست وضعوا مسارا ملتويا من المرجح أن يتركهم في السلطة حتى العام القادم. ومضت الإيكونومست تقول إن كثيرا من المصريين يشكون بأن الجيش يريد أن يبقي على المجالس البرلمانية المصرية ضعيفة ومنقمسة، حتي يظل الجنرالات هم الممسكون بخيوط الأمور. وفي حين قالت إنه لا يوجد منطق لتصديق هذا الاعتقاد، فالمجلة دعت المشير حسين طنطاوي وجنرالاته إلى تهدئة هذه الشكوك، وقالت إن عليهم أن يعلنوا جدولا زمنيا واضحا ويبسط من القواعد الانتخابية التي قالت إنها معقدة بدون داع وتسريع الإجراءات لانتخاب رئيس للجمهورية. وختمت المجلة بأن من شأن هذا أن يقنع الشعب المصري بأن قادته العسكريين مخلصون بشأن نقل البلد إلى حكم مدني.