كتب المهندس «محمد سامي أحمد» : فى ضوء الجدل المثار بشأن البيان المشار إليه، الذى ابتعد فى جانب كبير منه عن مناقشة جوهر ولب ما اشتمل عليه من قضايا.. وركز بدلا من ذلك على الهجوم والتهكم على الحاضرين، باعتبارهم يلهثون وراء مغانم وفتات، بل كونهم أحزابا من صنيعة أمن الدولة وصفوت الشريف. فإن حزب الكرامة بتاريخه ودوره، بشتى المراحل والفاعليات -الذى كان محظورا تماما بعهد مبارك شأن عديد من القوى الوطنية الشقيقة والمحترمة التى شاركتنا اللقاء.. التى لم يسمح لها أصلا بتشكيل أحزابها إلا بعد ثورة 25 يناير– لن ينجرف للرد على تلك المهاترات التى لم يعد الظرف الوطنى الراهن يحتملها.. مركزين فقط فى ردنا وتوضيحنا على النقاط الموضوعية التالية: أولا: إننا (وكسائر المشاركين باللقاء) حضرنا بناء على دعوة لنا بصفتنا الحزبية (لا أكثر)، ولسنا باعتبارنا المتحدث الرسمى أو الأوحد باسم الثورة أو الشعب، بل فقط باعتبارنا بعضا من أطيافه وأطرافه الرئيسية الفاعلة. (ليبراليين- ناصريين- إخوان..) دون أدنى ادعاء من طرفنا أننا نمثل غيرنا. وبالتأكيد فإن جل هذه الأطراف ليست بمتطفلة، بداية، على الثورة والحركة الوطنية بمصر.. ولم تكن يوما ما صنيعة لأمن الدولة (كما تم الادعاء علينا زورا ببعض المقالات)، بل كنا دوما من أشد خصومها وضحاياها. ثانيا: إن مشاركتنا باللقاء المشار إليه (الذى لم نلهث وراءه أصلا.. بل دعينا إليه) لم يكن به -ومن حيث المبدأ- أدنى خروج عن الإجماع الوطنى المتعارف والمتفق عليه.. الذى لم يجرم أو يحرم حتى الآن الحوار مع المجلس العسكرى فى قضايا الوطن الملحة.. من أجل الوصول إلى حلول أو سبل يمكن أن تخرجنا من المأزق الوطنى الراهن. ثالثا: وعلى العكس مما يبدو للبعض أن المجلس العسكرى قد استدرجنا بهذا اللقاء، من أجل التوقيع على البيان مثار الجدل والخلاف.. فإن هذا البيان كان أحد الشروط التى وضعناها «نحن» من البداية كى يُضبط الحوار وفق قاعدتين أساسيتين: الأولى: أن لا يكون هدف الاجتماع وغايته إبلاغنا (والرأى العام) بقرارات توصلوا إليها بعد مليونية الجمعة السابقة (استرداد الثورة).. بل الحوار معهم فى شتى القضايا الملحة والمثارة (المحاكم العسكرية- الانتخابات- تسليم الحكم لسلطة مدنية- الدستور وضوابطه..) من أجل الوصول لحلول بشأنها. والثانية: حتى لا يتحول اللقاء إلى مكلمة فقط (كلقاءات كثيرة سابقة) فيلزم -من وجهة نظرنا- ضرورة أن يتم التسجيل والتوقيع على ما يتم الاتفاق عليه كى يكون ملزما لهم ويدخل حيز التنفيذ. رابعا: فى هذا الإطار -الذى لم ندع فيه على أننا الممثل الأوحد للشعب- توصلنا مع المجلس العسكرى، وبعد حوار شاق استغرق 6 ساعات إلى القرارات التالية (التى وصفها البعض بالفتات أو الالتفاف): 1- التبكير بخارطة الطريق لتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة، وبالأخص فى ما يتعلق بسرعة انعقاد مجلس الشعب فور انتخابه، محققين بذلك هدفين أساسيين: -التعجيل بأن يصبح التشريع (والرقابة) من سلطة هذا المجلس المدنى المنتخب لا المجلس العسكرى كما هو الوضع الآن. -التعجيل بخطوات وضع الدستور (بجمعيته التأسيسية والاستفتاء) فانتخابات الرئاسة التالية له. 2- تعديل المادة الخامسة من قانون مجلسى الشعب والشورى. 3- عدم إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية. 4-دراسة وقف العمل بقانون الطوارئ خلال فترة الانتخابات. 5-إصدار تشريع بحرمان بعض قيادات الحزب الوطنى الفاسد المنحل من ممارسة الحقوق السياسية، وتشمل تحديدا أعضاء المكتب السياسى ولجنة السياسات.. بمجلسى الشعب والشورى 2010، وأمناء المحافظات. 6-الاتفاق على وضع وثيقة المبادئ الدستورية ومعايير اختيار اللجنة التأسيسية، يتعهد الجميع بالالتزام بما فيها بعد الانتخابات فى أثناء اختيار الجمعية التأسيسية وإعداد مشروع الدستور الجديد. وهى المرة الأولى التى يوقع فيها ممثلو الاتجاهات الليبرالية والمدنية والإخوان والسلفيين على مثل هذا الاتفاق (قبل الهجوم الذى دفع بعضهم للنكوص عن توقيعه). وهى القرارات التى نقدمها إلى شعبنا وشبابنا العظيم وقواه الوطنية، آملين منهم أن يستكملوها ويرفعوا سقفها (بأفضل منا) لأقصى ما يستطيعون. وهى ذاتها أيضا القرارات التى لم ترتب (وعلى الإطلاق) لأى من القوى، أو الشخوص، المشاركة بمزايا أو انتفاع تبرر هذا الكم من التجاوز الذى جرى بحقهم. خامسا: إن القضايا والقرارات سالفة الذكر التى توافقنا أو اختلفنا حولها لا تشمل بطبيعة الحال كل ما يهم الحركة الوطنية المعبرة عن ثورة 25 يناير، التى يأتى فى مقدمتها (وكما تم انتقادنا بشدة)، قضية قانون استقلال القضاء.. التى لم يكن أبدا الظرف أو المجال يسمح بالتحاور حولها، لا سيما فى ظل عدم توافق القضاة أنفسهم حتى الآن على مشروعه وعناصره الذى ما زال يجرى بشأنه جلسات حوار واستماع. فكيف يمكن لنا أن نتحاور ونطلب من المجلس العسكرى إصدار قانون لم يكتمل بعد.. وفى غيبة من أطرافه الرئيسيين؟ سادسا: إن الفقرة الأخيرة من البيان، التى أثارت كمًّا من الاعتراض، هى مجرد وجهة نظر (وليست خيانة) لمن يراها ويقتنع بها.. لا سيما أن قطاعات عريضة من الشعب (الذى يفترض أننا نعبر عنه) يؤمن بها.. وبدأ يتصدى بالفعل لأى فاعليات أو مسيرات تنال من المؤسسة العسكرية ومقراتها. وأخيرا: فنحن بالحوار والقرارات الإيجابية التى توصلنا إليها بهذه المرحلة الحرجة بتاريخ مصر.. لم نرتكب جريمة أو عارا يستوجب الهرولة لسحب توقيعنا من عليه.. بل هو مجرد اجتهاد من مشاركين بالحركة الوطنية والثورة لم نضع به قيدا على حركة أى قوى ثورية أخرى بالمجتمع يمكن أن ترفع من سقفه وتضيف إليه، ونحن من ورائهم مساندون لا مزايدون. فقط نرجو مراعاة آداب وأصول الاختلاف بين الرفاق (لا الأعداء).. وأن ندرك جيدا طبيعة الظرف الراهن وحرجه.. وكم المخاطر التى بدأت تحيط بالثورة وتحاصرها، حتى بين صفوف الشعب أنفسهم. وهذه كلمتنا لله والوطن.. بعيدا عن أى حسابات أو صفقات.