أخيرا استمعنا إلى صوت نور الشريف، آتيا هذه المرة من بيروت وذلك عبر موجات إذاعة «ميلودى إف إم».. المؤكد أن نور كانت تلاحقه فى الأشهر الأخيرة كل وسائل الإعلام، مصرية وعربية وكان يرفض الاستجابة.. صنع نور سورا حديديا ورفع يافطة ممنوع الاقتراب. القرار الذى اتخذه نور الشريف بالابتعاد عن وسائل الإعلام كان قد شرع فى تنفيذه قبل الثورة، بعد أن تكالبت عليه عديد من المواقف الصعبة والعصيبة، مثل مرض ابنته وتلك الشائعة السخيفة التى لاحقته ولعب بعض الصحف الصفراء دورا فى ترويجها وحكم القضاء لصالحه، إلا أن نور ظل مبتعدا.. لا أتصوره غاضبا من كل أطياف الإعلام، لكن حالة من البرودة تملكته ودفعته إلى الابتعاد! قامت الثورة فكان ينبغى أن يخرج نور الشريف عن صمته معلنا رأيه للناس، لكنه واصل الهجرة خارج البث الإعلامى.. بالمناسبة ليس مطلوبا من الفنان أن يسارع بإعلان موقفه، لكن عليه أن يكون له موقف، وما نعيبه على قطاع كبير من النجوم ليس تأخر إعلان الموقف لكن اللعب على الحبلين.. كانوا يضعون عينا على الشباب الثائر وعينا على مبارك، قدما فى ميدان التحرير، وأخرى فى ميدان مصطفى محمود، وبعضهم لجأ إلى خطة أكثر خبثا أن يتم الاتفاق بين الفنان وزوجته الفنانة على تقسيم الوطن إلى فريقين، الزوجة تذهب إلى مصطفى محمود والزوج إلى التحرير، منتظرا الجبهة الرابحة ليعلن ولاءه لها، وكل زوج أو زوجة سوف ينقذ الطرف الآخر. نور لم يشارك فى أى من الفريقين وظل غموضه محيرا، لأنه أحد الفنانين القلائل الذين ينتظر الناس رأيهم، فهو ليس مجرد نجم، إنه أحد القلة الذين تشكل الثقافة جانبا رئيسيا فى اختياراتهم. نور مثل أغلب نجومنا كان يعلم أن هناك خطا أحمر لا يمكن اختراقه، وهو الرئيس والعائلة، فلم يعارض التوريث حيث كان يتم تسريب سيناريو التوريث للشعب، من خلال البرامج التى كان منوطا بها أن تسأل النجوم هذا السؤال، ما رأيك فى جمال؟ والإجابة النموذجية أنه مواطن مصرى من حقه أن يرشح نفسه للحكم، كما أنه مدنى ونحن نبحث لمصر عن رئيس بعيدا عن الكاكى، وبعد ذلك من حق صندوق الانتخابات أن يحكم، وهذا لا يعد توريثا. إجابات نور لم تبتعد أبدا عن تلك المفردات التى كانت تُرضى بالتأكيد النظام. نور لم يكن مثل عادل إمام متخصصا فى الدعاية الفجة لمبارك وجمال، إلا أن نور منح شيئا عزيزا للنظام السابق لم يقدمه عادل إمام، حيث لعب دور حسنى مبارك فى مسلسل إذاعى «سيرة ومسيرة»، وذلك قبل فقط ثلاث سنوات. كان الغرض من المسلسل تسويق مبارك جماهيريا للجمهور، والدعوة لتقبل التوريث والعمل على تقديم صورة دافئة للعائلة التى كانت تحكم مصر. وافق نور دون تردد على أن يؤدى هذا الدور الشرير! هل كان نور يملك الرفض؟ أقول نعم كان يستطيع، لكن فى هذه الحالة هناك ثمن مدفوع وفاتورة واجبة السداد.. لن يزج به بالمناسبة فى السجن، ربما سيتم التعتيم الإعلامى عليه، مثلا لن يرحب بعرض مسلسلاته فى التليفزيون الذى تملكه الدولة.. هناك ثمن كان سيدفعه الفنان مهما حاول أن يتجنب حتى بأسلوب غير مباشر التورط فى تأييد النظام، خصوصا عندما يكون هذا التورط يصل إلى حد رفض المشاركة فى عمل فنى. المفروض أن الفنان يضع شعبيته لتسويق النظام، مثل المطرب الذى يغنى لحسنى مبارك يظل داخل بلاط السلطان صوتا مثل الآلة تعزف النغمة المطلوبة، ونور ارتضى أن يتحول إلى آلة! ولهذا لم أرتح إلى تصريحه للقناة الإذاعية اللبنانية فى حديثه الأخير بأنه سوف يرحب بأداء دور مبارك فى أى عمل فنى تليفزيونى أو سينمائى قادم، يفضح خلاله كل خبايا النظام.. كيف يواجه الكاميرا بعمل فنى يكشف فساد مبارك والعائلة وكان قبلها بثلاث سنوات فقط يقدم مسلسلا عبر الميكروفون يشيد بمبارك ويمهد لتوريث الحكم؟! الصوت الذى استمعنا له مؤيدا لمبارك هل نصدقه هذه المرة صوتا وصورة وهو يقول لا لمبارك.. الفنان الذى تورط فى نفاق مبارك وحصل على الثمن، ليس من حقه الآن أن يرتدى ثوب الثائر الرافض الفساد!