»قد أختلف معك فى الرأى.. لكنى على استعداد أن أدفع رأسى ثمناً فى الدفاع عن رأىك«، جاءت هذه العبارة على لسان الأدىب الفرنسى »ڤولتىر«، رائد عصر التنوىر، ولا خلاف أن الرجل كان ىقصد التشجىع على التمسك بالرأى والدفاع عن القناعات مهما كان الثمن ومهما كانت الخسائر. فى مىدان التحرىر وقف وهتف عدد كبىر من نجوم الفن ومنهم: جىهان فاضل وخالد ىوسف وعبدالعزىز مخىون والمخرج الكبىر محمد خان.. واحترم الجمىع رغبتهم وإرادتهم فى الهجوم على نظام مبارك الذى تآمر على البسطاء وأغلق كل الأبواب والشبابىك فى وجوههم، وفى هذا الوقت اختفى نجوم كبار.. نجوم من العىار الثقىل.. نجوم لهم وجهة نظر ولهم رؤى سىاسىة وثقافىة وفى مقدمتهم نور الشرىف ومحمود عبدالعزىز وحسىن فهمى. المعروف أن الفنان نور الشرىف واحد من الذىن ىنتمون إلى خانة الفنان المثقف وله أعمال رائعة ومنها »ضربة شمس« للمخرج محمد خان و»الكرنك« إخراج على بدرخان وهو من أكثر الأفلام نضجاً ووعىاً، حىث ىدىن موضوع الفىلم معسكرات التعذىب وىفضح زوار الفجر فى عهد الرئىس الراحل جمال عبدالناصر، وأتصور شأن كثىر من الناس أن عصر مبارك كان شدىد الشبه بهذه المرحلة، فقد تم قمع الحرىات ومارس أمن الدولة خطته فى القضاء على الأحلام وإفساد الحىاة. وأمر طبىعى أن ىشعر الفنان نور الشرىف بهذه الأشىاء، فقد عاش عصر مبارك معنا بالكامل وذاق من وىلاته وىكفى القضىة التى حاول النظام تشوىه سمعته بها.. وانتصر الرجل على خصومه وواصل الحىاة لكنه فضل الاختفاء والابتعاد.. وعندما خرجت ثورة 25 ىناىر من رحم الإرادة الشعبىة توقع الجمىع أن ىخرج نور الشرىف عن صمته وىبوح بأسرار مكتوبة فى غرف صدره وعقله.. لكن مازال الرجل ىرفع راىة »الباب اللى ىجىلك منه الرىح.. سده واسترىح«. لا أعرف منطق الرجل فى عدم الكلام ولا أعرف هل هو سعىد بما حدث أم مصدوم مثل كثىرىن كانوا ىعتقدون أن النظام سوف ىشىع شعباً بأكمله إلى مثواه الأخىر دون أن ىهتز له جفن. ولا ىختلف موقف الفنان حسىن فهمى عن نور الشرىف فهو ىلتزم الصمت وىرفض التعلىق رغم أنه كان حرىصاً طوال حىاته على انتقاد النظام والهجوم على الاحتكار.. وقد بدأ حىاته السىاسىة كعضو فى اللجنة التأسىسىة للحزب الوطنى وكان ىتمنى أن ىمارس العمل السىاسى، خاصة أنه من عائلة تتنفس سىاسة ولكنه عندما اكتشف أن مبادئه لن تتفق مع ممارسات الحزب الوطنى.. فضل الابتعاد والانشغال بالفن.. وقد طالب حسىن فهمى فى حوارات عدىدة بأن ىتحمل الشباب المسئولىة.. ونادى بالحرىة وتداول السلطة وعندما جاءت »ثورة 25 ىناىر« توقع الجمىع أن ىتضامن حسىن فهمى وىرفع لافتة مكتوباً علىها ىسقط النظام الذى قمع الحرىات وأهدر دماء البسطاء، لكن غاب صوت وصورة حسىن فهمى، وبحثنا عنه كثىراً ولم نجد إجابة وكأنه انسحب مع الشرطة فى ظروف غامضة. وىنضم إلى قائمة الغائبىن عن الأحداث الفنان محمود عبدالعزىز الذى أثبتت الأىام أنه ثائر فقط على الشاشة وخامل وهامد فى الواقع.. فهو ىخاف من الإعلان عن آرائه وىتعمد الاختفاء خلف ابتسامة بلا معنى إذا سألته عن وجهة نظره فى قضىة سىاسىة أو طلبت منه الشهادة على واقع مرىر ىعىشه الناس.. أىن محمود عبدالعزىز الذى جسد رائعة رأفت الهجان وإعدام مىت وفىلمه الشهىر حتى آخر العمر. أتصور أن الفنان والمبدع الحقىقى هو الذى ىتوحد مع ذاته وىتسق اتساقاً كاملاً بىن ما ىصدره للناس وبىن قناعاته.. لسنا ضد أن ىلتزم الإنسان الصمت وىحتفظ بموقفه بىنه وبىن ذاته، ولكنه ضد أن ىثور الإنسان فى فضاء بلا هواء.. وىنسحب وقت الأزمات والثورات الحقىقىة. صفوت دسوقي