هذه محاولة للمقارنة بين الرئيس السابق حسني مبارك وبيني.. وهي مقارنة قد يراها القراء غير منطقية أو غير معقولة أو حتى كوميدية. لكنني مقتنع بجدوى هذه المقارنة ربما يعرف من لا يعرف، خصوصا الشباب، التغيرات والتطورات التي تصيب الشخص في السبعين ثم بعد الثمانين.. وهي الفترة التي يراها كل المحللين أسوأ فترة في حكم «مبارك» وأسوأ فترة في تاريخ «مصر» الحديث. في السبعين أحسست أن قواي الجسدية والعقلية والنفسية تهبط تدريجيا، فحاولت قدر ما استطعت أن أتخفف من بعض مسؤولياتي، وكنت أكتب وأراسل عددا من الصحف العربية، فاعتذرت تدريجيا عنها، على الرغم من حاجتي الملحة لما كنت أتقاضاه منها، وأبقيت القليل حتى أستطيع دفع رواتب العاملين في مكتبي، وهم أربعة أشخاص لا غير، ارتبطوا بالعمل معي ثلاثين عاما. وفي بيتي، وقد توفيت زوجتي منذ ست سنوات، أوكلت تدبير المنزل والإشراف على نظافته لابنتي الوحيدة المتزوجة، التي تسكن بعيدا عني. ثم أوكلت لأحد موظفي المكتب تدبير الإنفاق على البيت، وأعطيت له توكيلا عاما يتصرف به كما يشاء في ما أملك، وهو قليل. وقد فعل «حسني مبارك» مثلما فعلت، لكنه أوكل شؤونه وشؤون مصر كلها لمجموعة من اللصوص ومحرومي الوطنية والشرف. فقد فَقَدَ حسني مبارك قدرته على إدارة شؤون مصر وأصيب بالخرف والوحشية. وكلمة وحشية استخدمها أحد أكبر أعوانه، عندما سأله أحد أصدقائه عن: كيف يستمر في العمل مع هذا الديكتاتور؟! فقال له: لقد توحش، وهو لا يستمع إلى كلمة من أحد، ومن يجرؤ على مناقشته يبطش به بلا رحمة. لقد كان على مبارك أن يترك الحكم، وهو على الأكثر في السبعين، وهو ما زال قادرا على إدارة شؤون دولة عظيمة مثل مصر.. لكنه بعد السبعين وقد ضعفت قواه العقلية وهاجمته الأمراض، ظل الحاكم الفرد للدولة، معتمدا على أشخاص مثل: صفوت الشريف وزكريا عزمي وحبيب العادلي، فتفنن كل منهم في تزييف الحقيقة عن الأحوال، وتصارعوا على التكسب والسرقة، وكل منهم له أبناء وحاشية تدفعه إلى النهب والسرقة. لقد باع حسني مبارك وأعوانه مصر العزيزة، من أجل حفنة دولارات، وأحدهم هو زكريا عزمي، رجل عقيم لم ينجب، ولا أدري ولا أحد يدري لماذا سرق ما سرق ونهب ما نهب؟! لي ثلاثة أصدقاء، عندما وصلوا إلى السبعين غادروا مواقعهم في إدارة أعمال ضخمة وناجحة، بنوها بالجهد الوافر والعمل النظيف، هم: الصديق محمد إبراهيم، وهو صاحب ومدير أكبر دار نشر للطباعة في مصر.. والثاني هو المهندس علي مشرفة، ابن شقيق على ومصطفى مشرفة عالمي الفيزياء الشهيرين، والثالث هو الدكتور جلال أمين، المحلل السياسي والاقتصادي الشهير، والأستاذ في الجامعة الأمريكية. كل منهم عندما وصل السبعين سلم مفاتيح مكتبه لمن يليه، وغادر مكانه إلى منزله، وهم الآن يتمتعون بالصحة والعافية، وعندما نلتقي يدور حديثنا في مجمله حول الحياة بعد السبعين، والاستمتاع بعيدا عن المسؤوليات. وأنا أحاول أن أنضم إليهم في القرار، لكن أحوالي ليست مثل أحوالهم، فما زلت في حاجة إلى إعالة نفسية، وكثير من أقاربي الفقراء وبعض الذين عملوا معي، ما زالوا يكافحون مثلي للبقاء على قيد الحياة. بعد السبعين تخبو الملكات العقلية والنفسية، بالإضافة إلى الضعف الجسدي، ويجب على الإنسان في هذه المرحلة أن يترك المسؤولية لغيره ممن هم أكثر شبابا. وهذه السطور ليست تبريرا لما فعله حسني مبارك بنفسه وبلاده، فقد كان عليه أن يترك السلطة في الوقت المناسب قرب السبعين، لكنه تمسك بالكرسي واستمات في البقاء عليه، وأعانه وأغراه على ذلك بطانة فاسدة. وقد يقول قائل: ولكن محمد حسنين هيكل لا يزال موجودا أو فاعلا.. فأقول: إن هيكل اعتزل الكتابة.. لكنه لم يعتزل الكلام!