ها هي حركة ترقيات وتنقلات الشرطة قد جاءت في موعدها، فثمة ترقيات كثيرة حدثت للسادة الضباط، ومن المؤكد أن بعض هؤلاء الضباط قد حاولوا القضاء على ثورتنا العظيمة، وبعضهم شاركوا في ضرب الثوار، بقنابل منتهية الصلاحية، وبطلقات الخرطوش، وبالرصاص الحي أيضا! وبفضل الثورة زادت مرتبات هؤلاء الضباط زيادة كبيرة، وها هم الآن ينالون ترقياتهم في موعدها، وقبل موعدها أيضا، فهذه أكبر حركة ترقيات في تاريخ وزارة الداخلية! صحيح أن مئات من الرتب الكبيرة قد خرجت من الخدمة، لكن الرتب المتوسطة والصغيرة، وهم أولئك الذين كانوا يطلقون الرصاص من بنادقهم على الثوار، ما زالوا في الخدمة! وفي المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية اللواء منصور العيسوي، نفى تماما وجود قناصة في وزارة الداخلية! وقال بالنص: «لا أحد يستطيع القول بوجود قناصة!»، ولا أدري كيف قال الوزير هذه الكلمات بهذه البساطة، بينما الثوار جميعا -ولي شرف الوجود بينهم- شاهدوا القناصة في وزارة الداخلية، وفوق مجمع التحرير، وأعلى فندق هيلتون، وعلى سطح مبنى الجامعة الأمريكية! وفي التحقيقات شهد أمن الجامعة وكذلك أمن الفندق صعود القناصة إلى المبنيين! يا معالي الوزير.. مئات من شهدائنا الأبرار استشهدوا بطلقات رصاص حي من القناصة، والغالبية العظمى من الإصابات جاءت في منطقة الرأس والصدر، ولترجع إلى شهادات الطب الشرعي إذا لم تعجبك شهادة الشهود من الثوار العزل. فهل -حقا- لا تعلم كل هذا؟! إذن قل لنا: هل شاهدت -حتى في التليفزيون- سيارات الشرطة المصفحة وهي تدهس المتظاهرين أم أن هذه أيضا لا وجود لها في وزارة الداخلية؟! لنتذكر معا حال الجيش المصري بعد هزيمة 1967، لقد انهار جيشنا تماما، كما انهارت الشرطة، ومن ثم كان لا بد من إعادة بناء الجيش من جديد، على أسس مختلفة تماما، وكذلك جهاز الشرطة بحاجة ملحة إلى إعادة بناء من جديد، أما كل هذه «الترقيات» أو «الترقيعات»، فلن تحقق شيئا على الإطلاق. ولننظر إلى جهاز أمن الدولة، الذي تغير اسمه فقط، هذا الجهاز المختص بتعذيب المصريين، وأيضا تعذيب من ترسله إليه الدول الأجنبية، التي لا تسمح بالتعذيب على أرضها، ولكنها لا تمانع من التعذيب في أمن الدولة المصري! كيف يمكن أن تتغير عقيدة هذا الجهاز المخصص لحماية الطاغية، وسحق المعارضين وإذلالهم؟! ولأن الحق يقال، فاللواء منصور العيسوي -وكما هو معروف عنه- رجل محترم وفاضل وشريف، ولكنه بالتأكيد لا يصلح -بحكم تاريخه وسنه- لإعادة بناء جهاز الشرطة، فالجهاز بحاجة إلى سياسي ثوري يعيد تشكيل عقيدته وفكره، بحيث يتعلم كل العاملين بالشرطة أن عملهم هو خدمة المواطنين وحمايتهم، وليس حماية الحاكم وعائلته! وليعلموا جميعا أن ثمة مبدأ لا يمكن تجاوزه أبدا، وهو احترام حقوق الإنسان وكرامته. ومن دون هذا الحل الجذري، فلن نتمكن من علاج الاحتقان بين الشعب والشرطة.