الطبيب الذى يظهر فى التليفزيون تكون الفيزيتة فى عيادته أكبر من مثيلتها لدى الطبيب الذى لا يحفل بالظهور على الشاشة. وكلنا يذكر قضية مسؤول التليفزيون الذى كان يتقاضى أموالا من بعض الأطباء نظير استضافتهم. كذلك الشيخ أو الداعية الذى يظهر فى التليفزيون يستطيع أن يبيع عطارته وأعشابه التى تشفى كل الأمراض بأسعار أعلى وبسرعة أكبر من الداعية الذى يجلس وسط جمع صغير من الأتباع، كما يمكنه أيضا أن يسوق شرائطه التى تحكى للناس حواديت عن الثعبان الأقرع وعن الجن الجنزارى، وكتبه التى تحض الناس على طاعة المخبرين والرضا بالمقسوم والبعد عن السياسة والرضوخ للكلاب! لهذا تجد الواحد من هؤلاء على استعداد لأن يهين نفسه ويبتلع شرفه ويسمع كلام المعد والمذيع أيا كان هذا الكلام، فيقوم بتنفيذ السيناريو الذى يضعونه له بحذافيره. ولم يعد مثيرا للعجب أن نحكى القصة المعروفة عن الشيوخ الذين يذهبون إلى الاستوديو للإجابة عن أسئلة تتعلق برأى الدين فى فوائد البنوك، وهناك يسألون المذيع قبل التسجيل عن الرأى الذى يفضله، وهل يحب أن ينحاز الشيخ إلى الفوائد ويفتى بحلها، أم يلعنها ويحمل عليها ويقضى بحرمتها! نعم هذا ما يحدث.. معظم الشيوخ والدعاة الذين يحبون الظهور على الشاشة، ذلك الظهور الذى ينمى الثروة ويروج البيزنس الخارجى فى العطارة والأعشاب والشرائط والكتب، يمتلكون «كتالوج» يضم إجابات متناقضة ومتعارضة يتخيرون منها ما يعجب الزبون ويرددونه بمنتهى الحماس على الشاشة، وقد يرددون عكسه دون وجل فى برنامج آخر على قناة أخرى لها توجهات مختلفة. نفس الأمر فى ما يتعلق بالأطباء.. تجدهم من فرحتهم بالظهور فى التليفزيون على استعداد لعمل عجين الفلاحة.. وأشهد أننى رأيت بنفسى طبيبا شهيرا للأمراض النفسية والعصبية تمت استضافته عقب فيلم كان يعرض حكاية شاب يحلم فى أثناء النوم أنه يرتكب جريمة قتل ثم يصحو من نومه ويجد الدم على ملابسه فلا يعرف حقيقة ما حدث. سأله المذيع: هل من الممكن أن يرى الإنسان فى المنام أنه يرتكب جريمة قتل ثم يجد آثار الجريمة على جسمه وملابسه حين يستيقظ؟ ولم ينس المذيع سؤال الطبيب عما إذا كان قد صادف فى حياته المهنية مثل هذه الحالات؟ الفظيع أن الطبيب الكبير لم يستنكف الدخول فى مثل هذا الحوار الهزلى، وإنما مضى يكذب ويؤلف ويرتجل ويجوّد فى حكايات وحواديت وقصص، زعم أنه صادفها وأشرف على علاجها لحالات كانت تحلم بالدم وتصحو غارقة فى الدماء! كان من الممكن لهذا الطبيب لو أنه يحترم نفسه أن يقول للمذيع إن هذا مجرد فيلم أطلق مؤلفه لخياله العنان، وسمح مخرجه لنفسه أن يقدم للناس شيئا من الإثارة والتسلية.. أما أن نتحدث عن الأمر باعتباره ظاهرة علمية لها تفسيراتها، فهذا نوع من العبث وشغل الناس عن حقائق الحياة بالدجل والتخريف باسم العلم. الغريب أن الفيلم كان من نوعية الخيال العلمى، ويدور حول إمكانية إحداث جروح عن بُعد باستخدام قوة التفكير، أى أن الأمر كله كان فى إطار فانتازى، ولكن الدكتور المهيب لم يفهم ما رآه الناس بكل وضوح ولكن انشغل بمجاملة البرنامج وأصحابه، فقام بتقديم تفسيرات من نوعية أن هذا قد يحدث لأن الشخص قد ينفعل فى أثناء الحلم فيضرب رأسه فى السرير ويسيل الدم.. هذا على الرغم من أن الفيلم لم يتحدث عن بطل رأسه مجروحة، وإنما ملابسه ملوثة فقط.. وغير هذا من تبريرات سخيفة ارتدى فيها عم الدكتور ثوب العالم وانتعل شبشبه ومضى يهوبص ويبولأ ويكاكى ويملأ الشاشة بالتخاريف حتى يرضى عنه المذيع، ويحضره مرة أخرى فتروج بضاعته وتزدحم عيادته، ويتكدس المرضى على سلم العمارة!