منذ أن أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة انعقاده الدائم وحتى الآن قام بإصدار «75» رسالة يخاطب فيها «أبناء هذا الشعب العظيم». لا أنسى الفرحة التى استقبلنا بها الرسالة الأولى والثانية والثالثة، حتى قرر المجلس إنشاء صفحة على موقع «الفيسبوك» ينشر عليها هذه الرسائل، لتختفى من حياتنا ظاهرة انتظار سماع البيان على التليفزيون. لمدة طويلة كانت الرسائل تعتمد لغة الحوار والتواصل، بل كانت أحيانا ما تستجيب لمطالب مباشرة من قبيل إعادة محاكمات الشباب، وتأكيد وحدة النسيج الوطنى، وبث الاطمئنان عبر الإعلان أنه «لا عودة لما قبل 25 يناير»، هذا بالإضافة إلى رسائل التهنئة ورسائل نفى الشائعات. وبتوالى الرسائل ظلت الثورة مستمرة فى طرح المطالب فى أيام الجمع فى شكل مظاهرات ومسيرات وهو ما تطور أحيانا إلى اعتصامات. وقد انعكس ذلك فى رسائل المجلس وبالتحديد منذ إصدار الرسالة رقم «58»، التى أكد فيها أن «حق التظاهر السلمى مكفول لأبناء هذا الشعب العظيم الذى أعاد كتابة تاريخ مصر الحديثة من خلال ثورته السلمية التى أبهرت العالم أجمع»، ثم جاء فى متن الرسالة أن الشباب سيتولى التأمين «بمعنى تأمين المداخل والمخارج» والتنظيم، فى حين سيقتصر دور القوات المسلحة على تأمين المنشآت المهمة والحيوية. كان ذلك منطقيا للغاية، فمكان التظاهر سيخلو من «العسكر»، لأنهم سيقومون بدورهم الأساسى سواء كانت هناك مظاهرات أم لا. مرة أخرى أكدت الرسالة رقم «68»، التى صدرت يوم 16 يوليو، «أن حق التظاهر السلمى هو أحد الركائز الأساسية التى أقرها المجلس الأعلى فى بداية الثورة، وأنه لم ولن يحيد عنها»، كما أكد أيضا أن «حق الاعتصام السلمى مكفول للجميع» «على أن لا يعيق حركة الإنتاج»، والأهم هو تأكيد الرسالة اقتصار المحاكمات العسكرية على أعمال البلطجة والتعدى على رجال الأمن واستخدام الأسلحة البيضاء والاغتصاب. إلا أن ما وقع فى اليوم الأول من شهر رمضان «الأول من أغسطس» على سبيل المثال لا الحصر، يتنافى مع كل ما جاء فى الرسالة من تأكيدات، حيث تم فض إفطار جماعى بالقوة المفرطة دون أى سبب واضح، وتم تحويل كل المقبوض عليهم إلى المحاكمات العسكرية مرة أخرى. فى الرسالة رقم «74» تغيرت اللهجة بشكل طفيف، إلا أن الرسالة أكدت مرة أخرى أن «حق التظاهر السلمى للتعبير عن المطالب المشروعة مكفول»، واقترن ذلك بتهديد واضح أن مهاجمة المنشآت العسكرية ووحدات القوات المسلحة هو تهديد للأمن المصرى والقومى، وهو تحذير لا يختلف اثنان عليه، ولذلك يكون السؤال: لمن يتم توجيه هذا التهديد؟ كان ذلك بالطبع إشارة إلى المسيرة التى توجهت إلى العباسية «اشتهرت فى ما بعد بموقعة العباسية»، التى كانت سلمية تماما، وعلى الرغم من ذلك راح ضحيتها محمد محسن الذى أصيب بحجر فى رأسه ألقى عليه من شرفة أحد المنازل، وظل ينزف كثيرا دون أى إسعاف سريع، لأن الجميع كانوا محاصرين لساعات. جاءت الرسالة الأخيرة رقم «75» يوم 29 سبتمبر مختلفة كليا عن كل ما سبقها، فقد كانت قصيرة نوعا ما، وتحتوى على نقطتين فقط: إن القوى التى دعت إلى جمعة 30 سبتمبر تتحمل مسؤولياتها الوطنية أمام الشعب فى التنظيم والتأمين والحفاظ على كل المنشآت الخاصة والممتلكات العامة للدولة، بالإضافة إلى التهديد الخاص بالتجاوز ضد أى وحدات عسكرية. من المدهش أن يطلب المجلس المنوط به حماية البلاد من القوى السياسية القيام بهذه المهمة! ومن الغريب أن يلقى عليهم بمسؤولية تعجيزية كهذه، ومن المفهوم بالطبع أن هذا لا يؤدى إلا إلى إلقاء اللوم على المتظاهرين فى كل ما يحدث، ففى منتصف نهار الجمعة اشتعلت كنيسة الماريناب بأسوان ومعها مخازن ملابس متاخمة لها. هل يمكن إلقاء مسؤولية ذلك على من كانوا فى التحرير مثلا؟ بعض التأمل فى رسائل المجلس منذ بدايتها وإعادة قراءة متأنية مواكبة للأحداث تكشف عن الفجوة القائمة بين المكتوب فى الرسائل وبين الواقع الحى، وهو أمر يمكن أن يتم فهمه جيدا فى سياق توقيع مجموعة الأحزاب فى الأول من أكتوبر على البيان الذى يؤكد الدعم الكامل للمجلس العسكرى. بهذا التوقيع علينا أن ننسى مصير الشباب الذى سيحاكم عسكريا، وعلينا أن نتوقع التضحية الكاملة بكل من يصدق أن «حق التظاهر السلمى مكفول للجميع»، خصوصا أن السياق الاجتماعى لا يزال يردد مسألة عجلة الإنتاج، ويصدق بكل سهولة أن كل من يتظاهر هو بالضرورة وحتما «بلطجى»، مسألة لم يكن من الصعب تمريرها لأن قهر 30 عاما أقنع الجميع أن كل من يعبر عن رأيه ليس إلا «قلة مندسة»، تحركه دوافع وأغراض تآمرية. لم نعتد على التعبير عن الرأى بعد، وحتى يتم ذلك سيكون هناك ضحايا كثر.