لما سمعت منيرة المهدية، عن شابة صاعدة تُدعى "أم كلثوم"، تشغل الوسط الفني بصوتها وتسحب البساط من تحت قدميها، قررت معاداتها ووصل الأمر بها إلى الخوض في شرف الست. منيرة المهدية، سلطانة الطرب، ورائدة المسرح الأوبرالي، جلست على عرش الغناء العربي وحدها لسنوات، سرقت عقول الجميع كبارًا وصغارًا، سيطرت على وجدان الشباب، وأحبها العامة والخاصة والملوك ورجال السياسية، هي أول سيدة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربي، وأول مغنية عربية تسجل لها أسطوانات موسيقية، وأول امرأة تغني بالإذاعة، كما قدّمت للفن المصري أحد أعظم الموسيقيين في تاريخه، حيث كان لها الفضل في شهرة الموسيقار محمد عبد الوهاب بعدما قدّمته لأول مرة على خشبة المسرح عقب وفاة الشيخ سيد درويش دون أن يُكمل مسرحية "كليوباترا". النشأة وهي زكية حسن منصور، ولدت في 16 مايو 1885، في قرية المهدية، مركز ههيا بمحافظة الشرقية، توفيت والدتها وهي رضيعة، وبعد أن أكملت عامين توفى والدها، وتولت شقيقتها الكبرى رعايتها، وكانت تقيم في محافظة الإسكندرية، وهناك تعلمت في مدارس الراهبات، ولكنها لم تلتفت للتعليم، وكانت كثيرًا ما تتغيب عن الدراسة. النشأة وهي زكية حسن منصور، ولدت في 16 مايو 1885، في قرية المهدية، مركز ههيا بمحافظة الشرقية، توفيت والدتها وهي رضيعة، وبعد أن أكملت عامين توفى والدها، وتولت شقيقتها الكبرى رعايتها، وكانت تقيم في محافظة الإسكندرية، وهناك تعلمت في مدارس الراهبات، ولكنها لم تلتفت للتعليم، وكانت كثيرًا ما تتغيب عن الدراسة. ولحبها الشديد الفن والغناء عادت "زكية" إلى قريتها، وبدأت الغناء في الحفلات الصغيرة بالقري المجاروة لها، وذات يوم شاهدها أحد أصحاب المقاهي الصغيرة في القاهرة، فأعجب بجمال صوتها، واستطاع إقناعها بالسفر إلى العاصمة للغناء هناك، وتم ذلك في عام 1905. المشوار الفني وفي القاهرة، ذاع صيت "زكية" بالغناء، وعليه قررت تغيير اسمها للحفاظ على عادات وتقاليد عائلتها، فاختارت اسم "منيرة المهدية"، ولُقبت ب"سلطانة الطرب"، وسرعان ما افتتحت ملهى خاصًا بها أطلقت عليه اسم "نزهة النفوس" بحي الأزبكية، تحول إلى ملتقى رجال الفكر والسياسة والصحافة والأدب بفضل ما كانت تتمتع به من شخصية قوية وقيادية. وفي 1915، وقفت منيرة المهدية على خشبة المسرح مع فرقة عزيز عيد، لتؤدي دور "حسن" في رواية للشيخ سلامة حجازي، فكانت بذلك أول سيدة مصرية وعربية تقف على خشبة المسرح، ما زاد الإقبال على عروض الفرقة، وصارت تُكتب على الأفيش "الممثلة الأولى" رغم أنها كانت تقوم بدور رجل، ثم انفصلت عن فرقة عزيز عيد، وكوّنت فرقة خاصة بها، وقدّمت أشهر أعمال سلامة حجازي بمساعدة المخرج عبد العزيز خليل، ومنها: "صدق الأخاء، صلاح الدين، وأوبرا عايدة"، وكانت تؤدي بها أدوار الرجال التي كان يلعبها سلامة حجازي بعد رحيله عام 1917. تجولت منيرة المهدية في كل البلدان العربية، وأصبحت لها جماهير عريضة، وكانت أول مصرية تغني باللغة العربية في أوبريتات "كارمن، الستارة، الجيوكندا، وتاييس"، واسكتشات منها: "مملكة الحب، المغاربة، الدجالين، محكمة الحب" وغيرها، وبعد غنائها في سوريا، قامت إحدى شركات السجائر بطبع صورتها على علب السجائر، وأطلقوا على هذا النوع "دخان منيرة". قامت بالغناء ما يزيد على ثلاثين عامًا، قدّمت خلالها ما يقرب من 37 قصيدة، و100 طقطوقة، و16 لحنا، و7 مونولوجات، و4 مواويل، و8 أدوار غنائية، و42 مسرحية، ومن أشهر أغنياتها: "الحب دح دح، إرخي الستارة، بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة، حرّج على بابا ماروحش السيما، أسمر ملك روحي، يمامة حلوة، وعلى دول يامه على دول، أشكي لمين الهوى، أنا هويت، أنا عشقت، عليه سلام الله". عملت مع أشهر شعراء وملحني جيلها، ومنهم: سيد درويش، كامل الخلعي، زكريا أحمد، محمد القصبجي، أحمد صبري النجريدي، رياض السنباطي، وكان لها الفضل في اكتشاف الموسيقار محمد عبد الوهاب، وغنّى معها الكبار مثل صالح عبد الحي، وقامت ببطولة فيلم "الغندورة" (1935)، وهو الفيلم الوحيد لها، وكان من إخراج المخرج الإيطالي فولبي. العمل الوطني وقد اشتركت منيرة المهدية في تحرير المرأة، كما تزعمت حركة وطنية عن طريق مسرحها وغنائها، وكان لها علاقات مع كبار الشخصيات، وفي ثورة 1919 قام الإنجليز بغلق جميع الملاهي إلا ملهاها، كما اجتمع آنذاك مجلس الوزراء، برئاسة حسين رشدي باشا، في عوامتها بعدما أصدر البريطانيون قرارًا بمنع التجمعات، ما دعا الصحافة تطلق اسم "هواء الحرية" على عوامتها الخاصة. وقد استغلت صوتها في غناء الكلمات الوطنية التي تحث الجمهور على الاستقلال، وتحايلت على قرار الإنجليز بمنع ذكر اسم "سعد زغلول"، وغنّت من ألحان القصبجي "شال الحمام حط الحمام من مصر لما للسودان.. زغلول وقلبي مال إليه، أندهله لما احتاج إليه"، وكانت كل ليلة تتحول عوامتها ومسرحها إلى مظاهرة رمزية لزعيم الأمة. الزواج تزوجت منيرة المهدية ثلاث مرات، الأولى من محمود جبر أحد الشباب البارزين في العمل السياسي آنذاك، وبعد زواج استمر 4 سنوات انفصلا، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات تزوجت من بطل المصارعة حسن كمال، وبعد الطلاق تزوجت من شقيقه الأصغر إبراهيم كمال، وأنجبت ابنتها "نعمات". أم كلثوم والنهاية لما سمعت منيرة المهدية، عن شابة صاعدة تشغل الوسط الفني بصوتها الرائع، وهي أم كلثوم، لم تستوعب فكرة وجود منافسة لها، وقررت أن ترتدي الملاءة والبرقع للتخفي عن أعين الحضور، وحضرت إحدى حفلات الست كي تسمع صوتها، ومن يومها قررت أن تهاجمها بكل ما أوتيت من قوة، وحاربتها بتسريب شائعات للصحافة ضدها، ووصل الأمر بها إلى الخوض في شرف أم كلثوم، من خلال مقال للناقد محمد عبد المجيد حلمي، صاحب مجلة "المسرح"، تحت عنوان "مئات العشاق ولا أدري ماذا يحبون فيها؟"، ذكر خلاله أن الست هربت من قريتها بعد أن اغتصابها شاب. منيرة المهدية التي تعتبر واحدة من رائدات ورواد المسرح الغنائي في عشرينيات القرن الماضي، بعد صعود نجم أم كلثوم واستمرارها في طريقها نحو القمة، ووجدت أنها سحبت البساط من تحت قدميها، قررت اعتزال الفن، وأدمنت شرب "الشيشة" ما أثر على صوتها، وفي العام 1948 قررت العودة إلى المسرح بعد أن اعتزلت الحياة الفنية لنحو عشرين عامًا، ولكنها لم تلق القبول الذي كانت تنتظره، فاعتزلت نهائيًا، وتفرغت لهوايتها وهي تربية الحيوانات الأليفة. والمفارقة أنه بعد أن خفت نجم منيرة المهدية، وخرجت من المنافسة، تحولت إلى واحدة من جمهور أم كلثوم، واعتادت الاستماع لحفلاتها في الخميس الأول من كل شهر. الرحيل توفيت منيرة المهدية في 11 مارس 1965، عن عمر يناهز الثمانين عامًا، وذلك بعد حياة فنية حافلة امتدت إلى ما يزيد على الثلاثين عامًا، تزعمت خلالها حركة فنية ووطنية عن طريق غنائها ومسرحها، وحصلت على الجائزة الممتازة في مسابقة الغناء المسرحي، التي أقامتها وزارة الأشغال العمومية عام 1926، ووسام العلوم والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1961، ووسام من ملك مراكش، وبعد رحيلها، قدّمها المخرج حسن الإمام في فيلم "سلطانة الطرب" عام 1978، وأدت دورها الفنانة شريفة فاضل.