سهير القلماوي.. أديبة ظلت تنادي طوال حياتها من أجل حقوق المرأة، وكانت لها أياد بيضاء سواء في الحركة النسوية، أو في إسهامها بخروج معرض القاهرة للكتاب إلى النور. في أمسية 22 يناير 1969، كان الحضور كبيرًا للغاية بأرض الجزيرة بوسط البلد، العديد من الشخصيات العامة والأدباء والمثقفين والجماهير، فبدا المشهد وكأنه خلية نحل، وفي المنتصف وقفت سيدة في العقد السادس من العمر، تتابع بحرص الفعالية.. إنها الدكتورة سهير القلماوي، التي أوكلت لها مهمة الإشراف على أول دورة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بتكليف من وزير الثقافة حينها الدكتور ثروت عكاشة، وبعد 50 عامًا من التاريخ السابق، قرر القائمون على المعرض رد الجميل لها، فوقع الاختيار عليها والدكتور ثروت كضيفي شرف لدورة اليوبيل الذهبي. لكن ما المميز حول سيرة حياة الدكتورة سهير القلماوي؟ دعونا نعود إلى الماضي، وبالتحديد لعام 1911، حين ولدت لأسرة كانت تحرص على تعليم بناتها، وهو أمر لم يكن شائعًا في حينها بالبلاد، فشغلت القراءة حيزًا كبيرًا من صباها، وكانت تطلع على مؤلفات كتاب مثل طه حسين ورفاعة الطهطاوي وابن إياس، ما أسهم في إنماء موهبتها الدكتورة سهير كانت في الثامنة، حين اندلعت ثورة 1919، وبعدها بسنوات قليلة أصبحت أكثر تأثرًا بالحركات النسوية المصرية، وعلى رأسها هدى شعراوي، والشخصية القومية البارزة صفية زغلول، وكانت لأفكار تلك الحركات حول حقوق المرأة، خاصة مسألة التعليم، بالغ الأثر على بعض مبادئها النسوية. وفي عام 1928، تخرجت القلماوي في الكلية الأمريكية للفتيات، حيث كرست نفسها لدراسة الطب كوالدها في جامعة القاهرة، لكن رفضت إداراتها التحاقها بكلية الطب، ليشجعها أبيها على التخصص في الأدب العربي عوضا عن ذلك، لتصبح أول فتاة شابة ترتاد جامعة القاهرة، وأول امرأة بين أربعين رجلًا تدرس الأدب العربي. وطوال دراستها في جامعة القاهرة، كان المرشد والأستاذ الأول لها هو عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، الذي كان حينها رئيس قسم اللغة العربية، ورئيس التحرير بمجلة جامعة القاهرة، حيث أوكل لها منصب مساعدة رئيس التحرير في المجلة عام 1932، لتصبح أول امرأة تعمل بالصحافة في مصر. وخلال فترة دراستها، عملت مذيعة لخدمة البث الإذاعي المصري، وحينما حصلت على الماجستير في الآداب، تلقت منحة لإجراء البحوث في باريس لشهادة الدكتوراه عام 1941، وبعدما انتهت منها، أصبحت أول امرأة تحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة. وتواصل الدكتورة سهير تفردها بأن صارت أول مُحاضرة في جامعة القاهرة عام 1936، وشقت طريقها سريعًا لتصبح أستاذة جامعية، ولاحقا رئيسة قسم اللغة العربية بين عامي 1958-1967 وكانت أيضًا أول امرأة تشغل المنصب. عملت كرئيسة الاتحاد النسوي المصري، وفي عام 1959 أصبحت رئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية، حيث أسست التعاون بين الاتحاد المصري والاتحاد العالمي للجامعات، لتصبح لاحقاً رئيسة الهيئة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى عام 1967 ورئيسة مجتمع ثقافة الطفل عام 1968. أخذت سهير القلماوي على عاتقها دائما "النضال لأجل حقوق المرأة"، ليس فقط عبر عملها الأدبي، بل وعبر مشاركتها في مؤتمرات المرأة العربية، حيث نادت بمساواة الحقوق، وفي عام 1960، كانت رئيسة المؤتمر الدولي للمرأة؛ وبعدها بعام تولت رئاسة أول اجتماع للفنون الشعبية، وقد شكلت لجنة للإشراف على جامعة الفتيات الفلسطينيات، وكانت تضع دائمًا في الاعتبار مسألة دعم القضية الفلسطينية. اقتحمت أستاذة الأدب العمل السياسي بقوة، وكان ذلك من خلال بوابة البرلمان في العام 1958، بعد عام من منح المرأة حق الانتخاب والتصويت، ووجدت فيه ساحة مناسبة من أجل استكمال مسيرتها في الدعوة لحقوق المرأة، فوصفت سريعا ب"البرلمانية المشاغبة". مناصب كثيرة تقلدتها الدكتورة سهير القلماوي، وأعمال عديدة نفذتها، لكن لعل الأبرز في مسيرتها هو عندما تولت رئاسة الإدارة التابعة للهيئة المصرية للنشر والتوزيع، حيث سعت من أجل توسيع نطاق القراء وتشجيع الكتاب الشباب والنهوض بصناعة الكتب، وفي عام 1969، أشرفت على الدورة الأولى لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ثم النسختين التاليتين، وابتعدت عن الوظائف الرسمية لفترة، حتى تولت رئاسة هيئة الرقابة من 1982 إلى 1985. ل"سهير القلماوي" أكثر من ثمانين مؤلفا، أولها وأشهرها مجلد قصص قصيرة نشر عام 1935، ويحمل اسم "أحاديث جدتي" وبالطبع حصلت على لقب أول امرأة في مصر تنشر (مجلد قصصي).. تحلل القلماوي في "أحاديث جدتي" الدور الاجتماعي للإناث، وتلمح القلماوي عبر هذا العمل بأن حكايات الزوجات القديمة وقصص الجدات لما قبل النوم يمكن أن تحمل رسالة نسوية عميقة. وضعت رسالة الدكتوراه الخاصة بها، والتي تتألف من بحث عن "ألف ليلة وليلة" الأساس لمهمتها النسوية، وهي إعداد امرأة جديدة ذكية ومثقفة وحكيمة، مسؤولة بشكل كامل عن حياتها وأسرتها.. امرأة تسعى جاهدة لإعادة تثقيف الرجل لتحظى بالمساواة. صورت أيضًا تراجمها لبعض الأعمال مثل القصص الصينية لبيرل باك، و"ترويض النمرة" لشكسبير، النضالات النسوية وضرورة إعادة تثقيف الرجل، وأسست القلماوي أيضًا، وأصدرت العديد من المجلات الثقافية التي تطرقت للمواد المعاصرة كالسنيما والموسيقى والفنون، ومن بين بعض الأعمال البارزة الآخرى الشياطين تلهو 1964، وأدب الخوارج 1941، والعالم في كتاب 1958، وتلقى عملها ترحيبًا حارًا من النقاد، حيث يعتبرها الكثيرون أنها "علامة أدبية بارزة في الحركة الثقافية المعاصرة في مصر".