إحسان عبد القدوس هو أكثر من استطاع التعبير عن المرأة، حيث قدم النساء بكل أحوالهن، واهتم بمشاعرهن، وكان حريصًا على الوصول إلى مصر المؤمنة بحقوق المرأة وحريتها. 100 عام مرت على ميلاد فارس الرومانسية وبائع الحب الأول، الأديب إحسان عبد القدوس، المولود في 1 يناير 1919، والراحل في 12 يناير 1990، خير من تحدث عن المرأة، فرغم أنه لم يكن الأديب الوحيد الذي يتناول حياة المرأة في عصره، إلا أنه كان أكثرهم تعبيرًا عنها، وكانت المرأة بالنسبة له الوطن، بينما هو كان لسانها الذي تثور به على التقاليد القامعة لحريتها، فبينما نجد له أكثر من 600 قصة ورواية، تحولت 73 منها إلى أفلام ومسرحيات ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، نجد المرأة محورًا رئيسيًا فيها ومحركًا للأحداث، وفي السطور التالية نماذج نسائية روتها السينما عن أدبه. نادية - لا أنام (1957) "لم يعد النوم يعذبني، ولم يعد التفكير في الشر يقلقني، ورغم ذلك فإني لا أنام، ربما لا أنام لأني يجب أن أصحو، وأنا لا أصحو، إني ميتة، مفتحة العينين، لم تجد من يسدل جفنيها فوق عينيها، حتى تبدو كأنها نائمة، أريد من يسدل جفوني حتى أنام، متى أنام؟".. رواية ناعمة لإحسان عبد القدوس نادية - لا أنام (1957) "لم يعد النوم يعذبني، ولم يعد التفكير في الشر يقلقني، ورغم ذلك فإني لا أنام، ربما لا أنام لأني يجب أن أصحو، وأنا لا أصحو، إني ميتة، مفتحة العينين، لم تجد من يسدل جفنيها فوق عينيها، حتى تبدو كأنها نائمة، أريد من يسدل جفوني حتى أنام، متى أنام؟".. رواية ناعمة لإحسان عبد القدوس قدّمها لنا القدير صلاح أبو سيف، وقامت بدور البطولة فاتن حمامة، وإلى جانبها عمر الشريف، مريم فخر الدين، هند رستم، عماد حمدي، رشدي أباظة، ويحيى شاهين. "نادية" فتاة مراهقة بوجه ملائكي تحبها كل العيون، لها ظاهر يوحي بالسذاجة والطيبة يجعل كل من حولها يحنو عليها، تعيش مع والدها بمفردها بعد انفصاله عن والدتها لتنشأ بينهما علاقة قوية وصلت إلى حالة مرضية حتى إنها ترفض أن يشاركها أحد فيه، ولو كان هذا الشخص زوجة أخرى، وتدبر المكائد لإيقاع فتنة بينهما، وتنجح في إيهام أبيها بوجود علاقة آثمة بين زوجته وآخر، إلا أنها تبدأ رحلة صراع نفسي حتى أصبحت لا تنام، وفي الأخير تلتهم الشموع ثوب زفافها وتتشوه. تلك الرواية الرائعة التي صاغها عبد القدوس، كانت سببًا في أن تتخذ فاتن حمامة قرارًا بأن لا تخوض أي تجربة تمثيل لبطلة شريرة مجددًا، ووفقًا لمجلة "الفن" (1957): "حين تم عرض (لا أنام) سب الجمهور فاتن حمامة في حضورها العرض الأول بسينما ميامي، مما أغضب النجمة وجعلها ندمت على أداء الفيلم الذي نجح نجاحًا كبيرًا، وقررت عدم قبول أي أدوار شريرة نهائيًا". ورغم أن جميع أبطال الفيلم هم من النجوم الكبار، إلا أن فاتن حمامة كانت الأعلى أجرًا بينهم، وحصلت على 5000 جنيه، وحصل كل من يحيى شاهين وعماد حمدي على 2000 فقط، أما هند رستم ومريم فخر الدين فقد حصلتا كل منهما على 700 جنيه، وحصل كل من رشدي أباظة وعمر الشريف على 300 جنيه، فيما قام إحسان عبد القدوس بمنح اسم بطلة الرواية "نادية لطفي" للفنانة "بولا محمد مصطفى شفيق" ليكتب الاسم شهادة ميلاد الفنانة نادية لطفي. أمينة - أنا حرة (1959) الفيلم مقتبس عن رواية بنفس الاسم، وقدّمها صلاح أبو سيف، وجسدت لبنى عبد العزيز دور البطلة "أمينة"، والتي تعيش مع عمتها، لأن والديها منفصلان، وتتمرد على قيود المجتمع القاهر للمرأة، ثم تدخل الجامعة وتنتقل للعيش مع والدها ويعطى لها حرية التصرف، إلى أن تتعرف على مطلوب سياسي وتقع في حبه، يفتح عينيها على حرية أكبر هي حرية الوطن من الأنظمة الفاسدة، وبعد هذا العمل بدأت السيوف تُسّن ضده، ووصف عباس العقاد أعماله بأنها من "أدب الفراش". وتقول بطلة الفيلم لبنى عبد العزيز، في كتاب "نجوم لا يعرفها أحد" للكاتب مصطفى ياسين، إن شخصية "أمينة" مستوحاة من شخصيتها الحقيقية، حيث بدأت تختلف مع والدتها خلال مرحلة المراهقة، ويصبح لها آراء ومواقف ووجهات نظر في كل شيء حولها، وكانت تشعر بأن والدتها ضدها على طول الخط، ولم تعجب الأم بأفكار ابنتها التي كانت ضدها، وكان والدها يحاول أن يقف في صفها في صراعها مع والدتها. وتواصل لبنى حديثها، قائلةً: "أذكر أن إحسان عبد القدوس قال لي: أنا كتبت (أنا حرة) بعد أن استوحيت ملامحها وشخصية البطلة منك، فقد كان إحسان صديقًا لوالدي وجارًا لنا، وعاصر إصراري على رفضي كلية الآداب ورغبتي في الالتحاق بالجامعة الأمريكية، لأن الدارسين بها عددهم قليل وشهادتها غير معترف بها، وعندما قدّمت الفيلم شعرت بأن الباب انفتح أمام هذه الصيحة الجميلة للحصول على حرية المرأة الكاملة". كلمات عبد العزيز هي نفسها تنطبق على أمينة بطلة "أنا حرة" التي رأت أن الجامعة الأمريكية تمنح حرية أوسع من جامعة القاهرة، وأن هذه الحرية يمكن أن تؤدي إلى ارتباط حر، يتحدي مؤسسة الزواج، وهذا هو التحدي الاجتماعي الأخلاقي الذي فرض نفسه على منتج الفيلم رمسيس نجيب هو الآخر، حيث انتهى به الأمر إلى الزواج من لبنى وتخليه عن ديانته المسيحية من أجل الزواج بها في مطلع الستينيات بعد أن صارت بطلة لأهم أفلامه. مادي - النظارة السوداء (1963) "النظارة السوداء" مقتبس عن رواية بنفس الاسم لإحسان عبد القدوس، وقدّمها المخرج حسام الدين مصطفى، ويدور حول الفتاة "مادي" من الوسط الارستقراطي، يجتمع الشباب حولها لثرائها، ثم تقابل مهندسا "عمر" (أحمد مظهر) يؤمن بأن الإنسان لا يمكن أن يدرك السعادة وهو بلا نفع في الحياة، تجد فيه رفيقًا من نوع جديد، ولكن الأمر مختلف بالنسبة إليه، حيث لا يجد فيه إلا فتاة تافهة، وتتوالى الأحداث حتى يؤثر كل منهما في الآخر. وقدّمت الفنانة نادية لطفي دور "مادي" أو "مديحة" وصار أهم أعمالها، حيث ظهرت كرياح عاتية لا تعرف ولا تعترف بفضيلة الاعتدال، تتسم بخفوت الحس الأخلاقي والإنساني، تكاد تدمر نفسها وهي تنغمس بلا ضوابط في متع الحياة الصغيرة، بعيدًا عن أي عمل جاد، وبالتالي ترى كل شيء كما لو كان ملفوفًا بالظلام، هي ابنة الذوات التي لا يهمها أحد، ترقص وتلهو وتشرب إلى أن تلتقي ب"عمر"، فتتغير حياتها بالحب. ونجحت نادية لطفي في تجسيد الابنة الجميلة التي يتمنى كل أب أن تكون ابنته، ورغم ذلك ترتدي "نظارة سوداء" طوال الوقت، وكانت فلسفتها إنها ترتديها خوفًا من المجتمع بسبب أفعالها السيئة، حيث كانت شيئًا يدب على الأرض، حيوانًا جميلًا أليفًا محرومًا من كل المتع التي خص بها الله الإنسان، كانت تعتقد أن هذه هي الحياة، حتى غيّر العشق حياتها وأصبحت إنسانة أخرى تحس بالألم والسعادة، وتطوف مع الأحلام، ثم إن نظارتها لم تعد سوداء. أمينة، نجوى، رحاب - أنف وثلاث عيون (1972) حين خرجت هذه الرواية "أنف وثلاث عيون" للنور، توجه عدد من نواب مجلس الأمة في 1965 بسؤال إلى وزير الثقافة حينها محمد عبد القادر حاتم، للمطالبة بمنعها بدعوى حثه على نشر الإباحية في المجتمع، وطالب أحدهم بمحاكمته، ورغم ذلك تحولت بعد عدة أعوام لمسلسلين إذاعي وتليفزيوني، وفيلم للمخرج حسين كمال، أحداثه حول أنف "الطبيب هاشم" (محمود ياسين) تدور حوله ثلاثة عيون، "أمينة" (ماجدة)، "نجوى" (نجلاء فتحي)، و"رحاب" (ميرفت أمين)، تلك الأحداث تصف بدقة حال فتيات الستينيات الساذجات اللاتي يضعن أنفسهن بين سطور الأغاني والأفلام الغرامية، لكي تكمل أوهامهن بقصة التعلق بأول شاب يلتقن به، بل ويتنافسن ويتصارعن عليه. العين الأولى "أمينة" تزوجت من رجل بسيط، لكن تصرفاته جعلتها تشمئز منه إلى درجة الابتعاد عنه نهائيًا، حاولت العودة للحب القديم، وأسلمت نفسها له بداع الحب، إلا أن "هاشم" لم يحترم عاطفتها، وتعامل معها بوصفها فتاة للمتعة فقط، إلا العدالة عاقبته بأن جعلته يحب العين الثانية "نجوى" الفتاة البريئة، لتصدمه فيما بعد بأنها ليست بالبراءة التي ظنها، وأن آخر ينفق عليها ويعيش معها ب"ورقة"، ثم تستكمل العدالة عقابها بأن تضع في طريقه العين الثالثة "رحاب" الفتاة المتحررة لدرجة الانحلال، والتي تشعل عاطفته تجاهها لمجرد أن تغيظ وتكيد به آخر، وهى العلاقة التي تسقط هيبته وعظمته. لا شك أن إحسان عبد القدوس أكثر من استطاع التعبير عن المرأة، قدّم لنا النساء بكل أحوالهن، وكان حريصًا على الوصول إلى مصر المؤمنة بحقوق المرأة وحريتها.