رغم أن إحسان عبد القدوس لم يكن الأديب الوحيد الذي يتناول حياة المرأة في عصره، لكنه كان أكثرهم تعبيرًا عنها، كانت بالنسبة له الوطن، بينما هو كان لسانها الذي تثور به. أقل من 4 أيام وينطلق الحدث المصري الفني الأهم، والمحفل الأعرق في الشرق الأوسط، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الأربعين، والمقرر انطلاقها في الفترة من 20 حتى 29 من شهر نوفمبر الجاري، برئاسة المنتج محمد حفظي، ويحتفي المهرجان هذا العام بذكرى الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس (1 يناير 1919 - 12 يناير 1990)، بمناسبة حلول مئوية ميلاده في يناير 2019، وذلك بعرض نسخا رُممت حديثًا ل4 أفلام مأخوذة عن رواياته، وهي: "في بيتنا رجل، الطريق المسدود، النظارة السوداء، امبراطورية م"، وكذلك إصدار كتاب حول سينماه، قام بإعداده الناقد سامح فتحي. وإذا كان موضوع الجدل الرئيسي للسينما العالمية هذا العام هو التمثيل المتوازن بين الرجال والنساء في صناعة السينما، فإن إدارة مهرجان القاهرة السينمائي قد رصدت حقيقة مثيرة بكون المنطقة العربية هي إحدى المناطق القليلة في العالم التي يتحقق فيها هذا التوازن بشكل طبيعي ودون تعمد، لذلك فقد قرر المهرجان تخصيص وإذا كان موضوع الجدل الرئيسي للسينما العالمية هذا العام هو التمثيل المتوازن بين الرجال والنساء في صناعة السينما، فإن إدارة مهرجان القاهرة السينمائي قد رصدت حقيقة مثيرة بكون المنطقة العربية هي إحدى المناطق القليلة في العالم التي يتحقق فيها هذا التوازن بشكل طبيعي ودون تعمد، لذلك فقد قرر المهرجان تخصيص برنامج ضمن برامجه هذا العام للاحتفاء بالمخرجات العربيات، عبر عرض 9 أفلام لمخرجات نلن حفاوة دولية خلال الأعوام الأخيرة، وتنظيم حلقة نقاشية حول عمل المرأة العربية في مجال الإخراج، تشارك فيها مخرجات البرنامج ومنهن الفلسطينية آن ماري جاسر، والجزائرية صوفيا جامه، والتونسية كوثر بن هنية، والمصريتان هالة خليل وهالة لطفي. وبالنظر إلى احتفاء المهرجان بالراحل إحسان عبد القدوس، والمخرجات العرب، في دورة واحدة، فإن هناك علاقة وثيقة بين الأديب والنساء عامةً، فرغم أنه لم يكن الأديب الوحيد الذي يتناول حياة المرأة في عصره، فإنه كان أكثرهم تعبيرًا عنها، كانت المرأة بالنسبة له الوطن، بينما هو كان لسانها الذي تثور به على التقاليد القامعة لحريتها، فبينما نجد له أكثر من 600 قصة ورواية، تحولت 73 منها إلى أفلام ومسرحيات ومسلسلات تليفزيونية وإذاعية، نجد المرأة محورًا رئيسيًا فيها ومحركا للأحداث، ونتعرض في السطور التالية لذلك: أين عمري (1957) في فيلمه "أين عمري" أظهر إحسان عبد القدوس رغبة الفتيات في الاستقلال التي تقابلها قسوة المجتمع، وجسدت فيه ماجدة الصباحي شخصية شابة سُلبت أجمل سنوات عمرها بالزواج من عجوز، لتقرر الانطلاق للحياة وتعويض ما فاتها بعد وفاته. لا أنام (1957) أما في فيلمه "لا أنام" يناقش مشاعر وأفكار "نادية" تُجسدها فاتن حمامة، في مرحلة المراهقة، ارتبطت بعلاقة مع والدها تصل إلى الحالة المرضية، حيث أحبته وعاشت معه طوال حياتها بعد انفصاله عن والدتها، حتى إنها ترفض أن يشاركها أحد فيه، ولو كان هذا الشخص زوجة أخرى له، وتدبر المكائد لإيقاع فتنة بينهما. الطريق المسدود (1957) في "الطريق المسدود" قدّم عبد القدوس صورًا متعددة للمرأة، من خلال بطلته "فايزة" (فاتن حمامة) والتي تُثبت أن الأنثى الجميلة ليس من الضروري أن تستغل جسدها لتلبي مطالبها، تبحث عن الفضيلة والشرف على الرغم من أن جمالها يثير أغلى الرجال وأعظمهم، على الرغم من وجودها في بيئة تحفز هذا السلوك. الوسادة الخالية (1957) نموذجان مختلفان للمرأة عرضهما عبد القدوس في فيلمه "الوسادة الخالية"، الأولى حبيبة لشاب يُدعى "صلاح" ظل يحبها حتى بعدما تزوجت من غيره، بينما هي تُصر على الإخلاص لزوجها والتخلص من حب الحبيب الأول، بينما هو يتزوج من "درية" وعاش معها جسدا بلا روح، وتتقبل أن تعيش معه رغم أنها تعرف أنه لا يحبها. أنا حرة (1959) في فيلمه "أنا حرة" جسدت لبنى عبد العزيز دور الفتاة "أمينة"، التي تعيش مع عمتها، لأن والديها منفصلان، وتتمرد على قيود المجتمع القاهر للمرأة، ثم تدخل الجامعة وتنتقل للعيش مع والدها ويعطى لها حرية التصرف، إلى أن تتعرف على مطلوب سياسي وتقع في حبه، يفتح عينيها على حرية أكبر هي حرية الوطن من الأنظمة الفاسدة، وبعد هذا العمل بدأت السيوف تُسّن ضده، ووصفه عباس العقاد بأن أعماله من "أدب الفراش". البنات والصيف (1960) في فيلمه "البنات والصيف" يكشف إحسان عبد القدوس عن العلاقات العابرة في شواطئ الإسكندرية، وتدخلت الرقابة في السيناريو وعدلت نهاية الفيلم لتنتهي بانتحار بطلته مريم فخر الدين لخيانتها زوجها، على عكس ما هو موجود في الرواية الأصلية. في بيتنا رجل (1961) "في بيتنا رجل" تواجه فيه المرأة الوطنية زبيدة ثروت "نوال"، حبًا محكوما عليه بالفشل مع الشاب الثائر الهارب من البوليس عمر الشريف "إبراهيم"، وقدّمت له كل التضحيات قبل أن يستشهد في تفجير أحد معسكرات الاستعمار الإنجليزي. النظارة السوداء (1963) "النظارة السوداء" يدور حول فتاة "مادي" (نادية لطفي) من الوسط الأرستقراطي، يجتمع الشباب حولها لثرائها، ثم تقابل مهندسا "عمر" (أحمد مظهر) يؤمن بأن الإنسان لا يمكن أن يدرك السعادة وهو بلا نفع في الحياة، تجد فيه رفيقًا من نوع جديد، ولكن الأمر مختلف بالنسبة إليه، حيث لا يجد فيه إلا فتاة تافهة، وتتوالى الأحداث حتى يؤثر كل منهما في الآخر. الخيط الرفيع (1971) أحداث "الخيط الرفيع" تدور حول فتاة فقيرة تعول أسرتها "منى" (فاتن حمامة)، ويضطرها مرض والدها وضغط والدتها إلى اللجوء لرجل أعمال عجوز وتصبح عشيقة له، ثم تتعرف على المهندس "عادل" (محمود ياسين) الذي يعمل في شركة عشيقها ويصارحها بحبه، تقنعه بالاستقالة وتكوين شركة مستقلة وتمنحه مجوهراتها كرأس مال، ولكن بعد نجاحه يتخلى عنها. أنف وثلاث عيون (1972) حين خرجت هذه الرواية "أنف وثلاث عيون" للنور، توجه عدد من نواب مجلس الأمة في 1965 بسؤال إلى وزير الثقافة حينها محمد عبد القادر حاتم، للمطالبة بمنعها بدعوى حثه على نشر الإباحية في المجتمع، وطالب أحدهم بمحاكمته، ورغم ذلك تحولت بعد عدة أعوام لمسلسلين إذاعي وتليفزيوني، وفيلم تدور أحداثه حول "الطبيب هاشم" (محمود ياسين) وحيرته بين ثلاث نساء، الأولى "أمينة" (ماجدة) التي تحبه وبعد طلاقها تحاول العودة إليه، والثانية "نجوى" (نجلاء فتحي) التي يحبها ولكنها تعيش مع رجل آخر، والثالثة "رحاب" (ميرفت أمين) الفتاة المتحررة. إمبراطورية ميم (1972) في فيلم "إمبراطورية م" ناقش عبد القدوس نموذج الأم الأرملة "منى" (فاتن حمامة) التي تحملت مسئولية أبنائها الستة وهي في سن مبكرة، والتي تقع في حب رجل الأعمال "أحمد" (أحمد مظهر) وتحاول إقناع أبنائها بزواجها منه لتعوض معه المشاعر التي نسيتها. لن أعيش في جلباب أبي (1996) ولم ينس عبد القدوس نموذج المرأة "بنت البلد" التقليدية البسيطة التي تساعد زوجها في رحلة صعوده من القاع إلى القمة، من خلال شخصية "فاطمة كشري" التي أدتها باقتدار عبلة كامل في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي". لا تطفئ الشمس (2017) وفي "لا تطفئ الشمس" يعرض إحسان عبد القدوس شخصية السيدة "إقبال"، والتي جسدتها ميرفت أمين في مسلسل حامل لنفس الاسم رمضان 2017، والتي تحاول الحفاظ على روابط أسرتها، مستوعبة تناقضات كل شخصية من أبنائها. إحسان عبد القدوس هو أكثر من استطاع التعبير عن المرأة، كتبها أدبيًا بمعالجات جريئة وتغلغل في أسرارها، قدّم لنا النساء بكل أحوالهن، وكان حريصًا على الوصول إلى مصر المؤمنة بحقوق المرأة، وحريتها، في سبيل بناء أسرة ووطن أكثر تماسكًا.