ما زالت أحداث الانتفاضة السودانية ضد نظام الرئيس عمر البشير تتواصل، منذ أن انقدحت شرارتها الأساسية فى احتجاجات مدينة عطبرة فى 19 ديسمبر الجارى، ومنذ ذلك الوقت تصاعدت الأحداث، سواء عبر اتساع رقعة الاحتجاجات جغرافيا؛ حيث انضمت إليها مدنٌ وبلدات مختلفة فى مختلف أرجاء السودان، أو عبر اشتداد الرفض الشعبى فى العاصمة الخرطوم، من خلال المسيرات والمظاهرات الليلية التى تسعى إلى تشتيت جهد الشرطة والقوى الأمنية وإرهاقها بشكل أكبر تحت جُنح الظلام. ما زالت أحداث الانتفاضة السودانية ضد نظام الرئيس عمر البشير تتواصل، منذ أن انقدحت شرارتها الأساسية فى احتجاجات مدينة عطبرة فى 19 ديسمبر الجارى، ومنذ ذلك الوقت تصاعدت الأحداث، سواء عبر اتساع رقعة الاحتجاجات جغرافيا؛ حيث انضمت إليها مدنٌ وبلدات مختلفة فى مختلف أرجاء السودان، أو عبر اشتداد الرفض الشعبى فى العاصمة الخرطوم، من خلال المسيرات والمظاهرات الليلية التى تسعى إلى تشتيت جهد الشرطة والقوى الأمنية وإرهاقها بشكل أكبر تحت جُنح الظلام. غير أن المتغير البارز الذى ظهر كتصاعد وكمحاولة لبلورة الاحتجاجات وتنظيمها، تمثّل فى الدعوة التى أطلقها تجمع المهنيين (وهو تجمع غير رسمى)، للتجمع فى ميدان أبى جنزير بوسط الخرطوم، والتحرك فى مسيرة حاشدة نحو القصر الجمهورى لتسليم مذكرة: "تطالب الرئيس البشير بالتنحى فورا عن السلطة، استجابة لرغبة الشعب السودانى غير أن المتغير البارز الذى ظهر كتصاعد وكمحاولة لبلورة الاحتجاجات وتنظيمها، تمثّل فى الدعوة التى أطلقها تجمع المهنيين (وهو تجمع غير رسمى)، للتجمع فى ميدان أبى جنزير بوسط الخرطوم، والتحرك فى مسيرة حاشدة نحو القصر الجمهورى لتسليم مذكرة: "تطالب الرئيس البشير بالتنحى فورا عن السلطة، استجابة لرغبة الشعب السودانى وحقنا للدماء، على أن تُشكل حكومة انتقالية ذات كفاءات بمهام محددة، ذات صبغة توافقية بين كل أطياف المجتمع السودانى". وقد لقيت الدعوة لهذه المسيرة استجابةً واسعة من كل القوى والأحزاب المعارضة، وتم التجمع بالفعل، غير أن المسيرة لم تستطع الوصول إلى القصر الجمهورى، بسبب أن القوات الأمنية حولت وسط الخرطوم إلى ساحة حرب، وحاصرت المسيرة وأغلقت كل الشوارع المؤدية للقصر الجمهورى، ونشرت قناصة على الأسطح. ويرى المراقبون أن المسيرة قد نجحت فى تحقيق أهدافها وتوصيل رسالتها، حيث استمرت لأكثر من 5 ساعات تهتف بسقوط النظام، كما تمكن المئات من المتظاهرين من اختراق الحواجز والدخان المسيل للدموع، والاقتراب من القصر الجمهورى لأول مرة منذ وصول البشير إلى السلطة فى انقلاب عسكرى عام 1989. وأن التطور الأهم هو أن المسيرة غلب عليها الشباب أكثر من المهنيين، كما ظهرت جرأة المحتجين بشكل واضح، الأمر الذى يغرى بتكرارها. فى المقابل قام الرئيس البشير بعدة تحركات مضادة فى محاولة لإيقاف أو الحد من التهديدات التى يواجهها نظامه، والتى يواجهها هو شخصيا، وكان من أبرز هذه التحركات الزيارة التى قام بها أمس الثلاثاء 25 ديسمبر إلى ولاية الجزيرة (جنوبالخرطوم)، والتى تم تأجيل موعدها مرتين خلال الأيام الماضية، لحين اكتمال الترتيبات والإعداد لإخراجها بالشكل الذى يمثل ردا على الاحتجاجات، فى محاولة لإظهار أنه ما زال يحظى بالتأييد الشعبى. حيث اشتمل البرنامج على عدة افتتاحات لمدارس ومشروعات أخرى فى أنحاء مختلفة بالولاية، وإلقاء خطاب جماهيرى مفتوح. غير أن أجواء الزيارة التى تمت وسط إجراءات أمنية مشددة لم تسِر كما هو مخطط لها، حيث تم اختصار الزيارة من ثلاثة أيام إلى عدة ساعات، وإلغاء أجزاء كثيرة من البرنامج المقرر، مع المغادرة السريعة لمدينة ود مدنى (عاصمة الولاية)، بعد أن أحرق متظاهرون معرض التراث الذى كان من المقرر افتتاحه خلال الزيارة. وألقى الرئيس البشير خطابه الجماهيرى فى استاد صغير يقع فى منطقة ود الحداد، وصف فيه معارضيه بالخونة والعملاء والمخربين والمرتزقة، وأكد أن وجوده وسط الجماهير أكبر رد على الإشاعات التى تتحدث عن القبض عليه وسجنه. واعترف بوجود مشاكل اقتصادية، ولكنه عزاها إلى أن السودان دولة حصار من الغرب وآخرين، وإننا لن نركع إلا لله.. وأن الحرب تشن على السودان لتمسكه بدينه وعزته، هاتفا أنه "لن يبيع عزة وكرامة السودان بالقمح أو الدولار". كما استعان بعدة آيات قرآنية، وكان من اللافت أن البشير قد عاد أيضا فى خطابه هذا إلى الشعارات التى أكل عليها الدهر وشرب، مثل الهتاف "فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء" و"لن نركع إلا لله". والخلاصة أن الزيارة لم تنجح فى تحقيق الأهداف التى كانت مرجوة منها، لا سيما أن هناك فيديوهات وتقارير إخبارية أشارت إلى هتاف العديدين أثناء الزيارة مطالبين برحيله، وأنه من المعروف كيف يتم تجميع بعض الناس فى مثل هذه الزيارات، حيث أصبحت هذه الممارسات معتادة خلال السنوات السابقة. قبيل أحداث الثلاثاء 25 ديسمبر، كانت قد برزت على الساحة عدة متغيرات، كان من أهمها البيان الذى صدر عن القوات المسلحة السودانية خلال اجتماعها الدورى فى 24 ديسمبر، أكدت فيه الالتفاف حول القيادة، وحرصها على مكتسبات الشعب، كما أكدت عملها ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة مع القوات الأمنية الأخرى. وقد رأى العديد من المحللين أن صياغة بيان القوات المسلحة جاءت غامضة وحمّالة أوجه، حيث لم تتم الإشارة إلى الرئيس بالبشير بالاسم، كما لم يتحدث البيان عن حماية دستور البلاد، فى الوقت نفسه الذى سعى فيه إلى الظهور بمظهر متوازن عبر الحديث عن حماية مكتسبات الشعب، كما أن الحديث عن التنسيق مع القوى الأمنية الأخرى، فسره البعض بأنه يحمل إشارة إلى هيمنة الجيش على هذه القوات. وفى الوقت ذاته، عقد البشير أمس اجتماعا مع قيادات أمنية برئاسة مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش بالخرطوم، لتأكيد ولاء الجهاز له، وتلقى "تنويرا" عن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد. وأكد فى اللقاء استمرار الدولة فى إجراء إصلاحات اقتصادية. ودعا البشير المواطنين إلى "عدم الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط" واعدًا باتخاد "إجراءات حقيقية تعيد ثقة المواطنين فى النظام المصرفى"، وهو الأمر الذى قوبل بالسخرية، فأى وعود هذه التى يمكن انتظارها، أو الثقة بها، بعد ما يقرب من ثلاثين عاما من الفشل والتقسيم والحروب الأهلية والفساد. وفى السياق ذاته وصلت إلى الخرطوم إحدى كتائب قوات الدعم السريع، التى كان قد تم استدعاؤها من موقعها بالقرب من الحدود السودانية الليبية، فى إشارة إلى مزيد من الاستعدادات لمواجهة وقمع الاحتجاجات، وربما أيضا لموازنة أى تحرك محتمل من القوات الأمنية الأخرى للخروج عن النظام، غير أن المفاجئ أن قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو حميدتى، شن فى الخطاب الترحيبى الذى ألقاه، هجوما عنيفا على مسؤولين حكوميين، على خلفية الاحتجاجات المستمرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وطالب بمحاسبتهم. ووصف حميدتى هؤلاء المسؤولين -الذين لم يسمهم- بالمخربين، واتهمهم بالتسبب في أزمة السيولة بالبلاد. وقال إن هناك انفلاتا فى الأسعار وغيابا للرقابة، وتساءل عن أسباب وصول البلاد إلى المرحلة الراهنة من الأزمات، وطالب الحكومة بالقيام بالتزاماتها تجاه المواطنين، وتوفير العيش الكريم لهم. وفي الوقت نفسه، أثنى حميدتى على ما أسماه صبر الشعب السودانى، ووصف من يقول خلاف ذلك بالمنافق. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعى تسجيلٌ مصور يتضمن هذه التصريحات، حيث أثار هذا الموقف المنتقد للحكومة والمتفهم للاحتجاجات جدلا بين الناشطين السودانيين، حيث أثنى بعضهم عليه، فى حين شكك البعض الآخر بموقفه ووصفوه بالمريب. وهكذا فإنه يمكن القول إن محصلة مواقف القوى الأمنية، والعنوان الرئيسى لها، هو المواقف الملتبسة، وحالة التربص والانتظار، الأمر الذى دفع الرئيس البشير لاستنهاض ما يسمى بجهاز الأمن الشعبى لمواجهة الاحتجاجات، وهو جهاز حزبى يتبع الإسلامويين، يتسم بالأدلجة والتسييس، وهم بالطبع أصحاب مصالح واسعة فى استمرارية النظام. ومع إعلان منظمة العفو الدولية أن قتلى الاحتجاجات قد وصل إلى 37 متظاهرا قتلوا برصاص قوات الأمن، ومع تعليق السلطات للدراسة فى الجامعات والمدارس بالبلاد وإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال فى العديد من المدن والولايات، تبدو الانتفاضة السودانية قد بلغت نقطة اللا عودة فى الإصرار على مطالبها بإسقاط النظام القائم والسعى إلى مطلبها الرئيسى "حرية، سلام، وعدالة".