دون شك، لولا ثورة 25 يناير العظيمة والإطاحة بالرئيس مبارك وخلعه مع سيناريو التوريث وسياساته التى كانت تخدم عصابته وأفراد أسرته.. لم يكن هناك أحد يستطيع أن يقول إنه مرشح للرئاسة. مبارك كان يعمل على البقاء أبدا ما دام القلب ينبض وحتى آخر نفس.. وكانت عائلته وشلة رجال الأعمال لتوريث الحكم لابنه جمال.. وجرى استخدام الجميع وكل إمكانيات الدولة لتحقيق ذلك.. وكانت هناك قوى تدعى أنها ثورية الآن مع سيناريو التوريث وأبدت موافقتها من أجل الحفاظ على مصالحها الخاصة. لكن جاءت الثورة لتطيح بمبارك وسيناريو التوريث .. وأصبحنا نرى عددا من الشخصيات -والبعض منهم كان يداهن ويوالس مع النظام المخلوع- يعلنون ترشحهم لمنصب الرئاسة.. وتجولوا فى البلاد بطولها وعرضها للترويج لذلك.. بل وصل الأمر إلى التجوال فى دول العالم الخارجى وبين المصريين فى الخارج للحصول على تأييدهم. وهو فى النهاية أمر يحمد للثورة العظيمة التى أتاحت لأى شخص أن يعلن ترشحه للرئاسة، ولكن هنا لا بد أن يذكر الدور المهم للدكتور محمد البرادعى الذى حرك المياه الراكدة منذ عودته فى فبراير 2010 وكان الشخص الوحيد المعلن الذى يمكنه أن يرشح نفسه للرئاسة، مما جعل «كلاب نظام مبارك المسعورة» تشن هجوما حادا عليه.. ولكن ظل الرجل على موقفه، داعيا إلى مليونيات للخروج إلى الشارع مطالبة بالحرية والعدالة.. ومعتمدا فى ذلك على مجموعة الشباب وكانت له أول حملة دعم للترشح للرئاسة.. فى حين كان البعض متخوفا والبعض الآخر منافقا وموالسا. وتأتى الثورة.. وتسقط الأقنعة كلها.. ويتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة بعد أن وثق الشعب به فى إدارة شؤون البلاد وتعهده بانتقال سلمى للسلطة خلال فترة انتقالية لا تتعدى 6 أشهر. ولكن سياسات المجلس العسكرى أفقدت ثقة الكثيرين من الثوار فيه من خلال إطالته الفترة الانتقالية التى قد تمتد إلى أكثر من عامين، وفقا لما هو حادث الآن من حالة ارتباك، وإصراره على العمل بالطوارئ، رغم أنه انتهى العمل به وفقا لمستشاريه القانونيين الذين استعان بهم.. وأيضا إصراره على إصدار قوانين أساسية سيئة السمعة مثل قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر ومباشرة الحقوق السياسية ومهزلة المحاكمات العسكرية للمدنيين.. وكأن السادة فى المجلس العسكرى أو قل بعضهم قد أعجبه الحال ويريدون أن يظلوا فى السلطة مع محاولاتهم تبريد الثورة، بل وتجفيفها بنفس سياسات النظام السابق وبالتباطؤ والتلكؤ والعمل على عدم تحقيق أهداف الثورة التى تعهدوا بها عند تسلمهم السلطة الانتقالية.. وسيطروا تماما على الحكومة الانتقالية فأصبحت ضعيفة لا حول لها ولا قوة، حتى إن رئيس الحكومة لا يستطيع أن يتخذ قرارا دون الرجوع إلى العسكرى، حتى ولو كان قراره فتح درج مكتبه!! ومع استمرار ذلك الحال أصبح المرشحون لرئاسة فى موقف هزلى.. فهم يروجون لأنفسهم كرئاسيين محتملين دون أن يعرفوا أى شىء عن متى ستكون انتخابات الرئاسة؟ وما اختصاصات الرئيس؟ وهل سيكون فى ظل نظام برلمانى أو رئاسى.. فهناك حالة ضبابية فرضها المجلس العسكرى. من أجل ذلك أستحسن موقف الدكتور سليم العوا الذى أعلن تعليق حملته الرئاسية إلى أن يتم اتخاذ إجراءات جادة لنقل السلطة فى البلاد من المجلس العسكرى والحكومة المؤقتة إلى سلطة مدنية منتخبة، تحقيقا للهدف الرئيسى من الثورة المصرية المجيدة. وأبدى الدكتور العوا انزعاجه الشديد من القرار الصادر بإجراء الانتخابات البرلمانية فى مدة تجاوز ستة أشهر، فى حين كان المتوقع شعبيا أن تنتهى الانتخابات البرلمانية لمجلسى الشعب والشورى فى موعد لا يجاوز نهاية العام الحالى وأن يتم تسليم السلطة إلى إدارة منتخبة فى نهاية فبراير 2012. ورأى العوا أن هذه الإطالة التى لا مثيل لها فى العالم لمدة الانتخابات البرلمانية ستؤدى إلى استمرار حالة السيولة الأمنية وما يصاحبها من فوضى تؤخر بذل أى جهود فى سبيل الاستقرار الاقتصادى ودفع عجلة الإنتاج. ومن هنا يضع الدكتور سليم العوا ومن قبله الدكتور محمد البرادعى مرشحى الرئاسة الآخرين فى موقف حرج، فعليهم أن يحذو حذوهما واتخاذ نفس الموقف والعودة إلى الشارع الثورى وفضح السياسات التى يسير عليها الذين يديرون شؤون البلاد.. وأيضا فضح الأحزاب والقوى السياسية التى كانت شريكة للنظام السابق وضد الثورة وتحاول الانقضاض عليها من أجل مكاسب سريعة ورخيصة على حساب الشعب والثورة. يا أيها الرئاسيون المحتملون.. أين أنتم؟ هل وصلتكم الرسالة؟!