وصلت منذ أيام صديقتي الدكتورة نهى رضوان، هي أستاذة في إحدى الجامعات الأمريكية في كاليفورنيا، تعيش هناك مع أسرتها الصغيرة، وتأتي لزيارة وطنها وعائلتها كلما استطاعت، هذه الاستطاعة تصل أحيانا إلى ثلاث مرات في العام، المرة السابقة وصلت مصر يوم 30 يناير وغادرتها يوم 7 فبراير، شاركت في الثورة يوميا خلال هذه الفترة، كانت تقول لزملائها الذين كانوا يتصلون بها ويسألونها عن دورها في الثورة بالإنجليزية ما معناه أنها تزيد عدد الرؤوس الموجودة في الميدان رأسا. يوم الأربعاء، موقعة الجمل، كان لها دور أكبر فقد زادت من عدد المصابين مصابا، عند مدخل المتحف التف بلطجية حول الدكتورة، لم تستطع أن تحصي عددهم، اختفت تماما وسطهم، ظلوا يضربونها بكل الطرق لمدة لم تتمكن أيضا من معرفتها، مزقوا سلسلتين ذهبيتين كانتا تحيطان برقبتها فأحدثوا جرحا عميقا في عنقها، حطموا تليفونها المحمول، شجوا رأسها بحيث احتاجت إلى عدة غرز في قمة رأسها وأخرى في جبهتها، جرحوا ساقيها وقدميها وأصابوها بكدمات في كل جسدها، وخلعوا خصلات من شعرها. أنقذها ضابط جيش وجنديان مخالفين بذلك الأوامر، ونقلتها الإسعاف بصعوبة إلى مستشفى الهلال، تسلمتها من مستشفى الهلال بمعجزة إلهية، كانت معنوياتها في السماء عندما انتصر الميدان على البلطجية في ذلك اليوم، وظلت تداوم على الحضور في الميدان رغم أن حرارتها ارتفعت ورغم قلق والدتها. عندما فرح الميدان الفرحة الكبرى كانت نهى في جامعتها تلقي محاضراتها اتصلت بها وأسمعتها الهتاف: ارفع راسك فوق إنت مصري، واتصلت هي بي لتبكي معي بعد أن أدى اللواء الفنجري التحية العسكرية للشهداء، كانت تنطق الكلمات بصعوبة: (مش قادرة أوقف دموعي، إنت مش عارفة يعني إيه التحية العسكرية للمدنيين) والد نهى لواء سابق في الجيش. لذلك كما قالت لي أول من أمس: (أنا بخاف من البلطجية.. مش بخاف لا من الشرطة ولا من الجيش.. يمكن لأن اليونيفورم مرتبط عندي بأبويا). قالت لي نهى هذه الجملة قبل أن تذهب إلى ميدان التحرير مساء الأحد 3 يوليو، كانت ترغب في مصافحة أهالي الشهداء المعتصمين هناك، وكانت تريد أن تستعيد روح الميدان وذكرياته. والعجيب أن يحدث هجوم للبلطجية بعد وصولها إلى الميدان بدقائق، كانت تقف مع أحد شباب الاعتصام وكان يحكي لها أن البلطجية متخفين في صورة باعة جائلين، وأنهم يشوهون منظر المعتصمين بسلوكياتهم التي يقصدون أن تكون غاية في السوء، وأن الكاميرات تأتي لتلتقط الصور لهم وتقدمهم على أنهم ثوار، أثناء الحوار فوجئت نهى أن مجموعة كبيرة من الرجال قادمون من جهة بنها للإلكترونيات، يحملون عصيا خشبية وحديدية وأدوات مختلفة كأسلحة مشهرة، في نفس اللحظة رأت مجموعة أخرى بنفس الضخامة قادمة من شارع محمد محمود وتحمل نفس الأشياء وشباب يجرون ويصرخون: الحريم (ترجع لورا) وآخرون يخترقون تجمع المعتصمين متقدمين للأمام يبدو أنهم مستعدون لحمايتهم. لم ترجع نهى للخلف كما طلبوا منها، فضلت أن تنحرف يمينا وتتجه إلى شارع قصر العيني الذي كان مؤمنا نوعا ما. بعد دقائق استقلت سيارة أجرة وجاءت سليمة تماما لم يلمسها أحد. لكن يبدو على ملامحها حزن رهيب، كانت تتحسس السلسلة الذهبية التي أهداها لها طلبتها في الكلية عندما عرفوا ما حدث لها في موقعة الجمل. وتردد إزاي كده؟