بأسلوبها التلقائي المدروس تجمع الفنانة مي رفقي بين الرسم التصويري والأنماط المختلفة، فتخلق تكوينات من طبقات تتحاور فيما بينها ترسم جسم الإنسان بالقلم الرصاص والفحم، مثل سكيتشات من وجهات نظر مختلفة كأنها عدة لحظات في وقت واحد. وتتحكم بمهارة في ألوان الزيت فتجعلها تبدو مثل الاكريليك المائية الشفافة. ويمكن اعتبار لوحات مي درسا لكل العلاقات الممكنة بين عنصري الجسم والأشكال النمطية، ويكمن اهتمامها بين الجسد العضوي والأشكال الساكنة، إذ تجري تجارب في التباين والتناغم بينهما. إنها فنانة تبني لغة بصرية خاصة بها. تستخدم في أسلوبها الدراسة والتدريب الذي تلقته في الرسم والفنون التقليدية الإسلامية وأصبحت لوحاتها وسيلة للتحرر من التقييد الأكاديمي للاستسلام للحدث واستعادة العفوية كما في فنون الأطفال، هذه التلقائية المدروسة تجعل لوحاتها تبدو وكأنها اكتملت في جلسة واحدة مفعمة بالحيوية، بالرغم من أنها تعمل على فترات ممتدة فيتأثر العمل بالطاقات المختلفة التي تتعرض لها. في داخل لوحاتها نجد الصباح والمساء، والفرح والحزن، والشجاعة والتردد. الإحساس الذي تضيفه للوحة النهائية يضيف طبقة أخرى يشعر بها المتلقي إن لم يكن يراها. كانت الأشخاص التي ترسمها مي في السنوات السابقة أشبه والبورتريهات الكلاسيكية، ثم بدأت في إدخال الأنماط في أعمالها، ومع الوقت تشابك الاثنان معا دون تمييز واضح للخلفية. لم تعد تحتاج تبريرا لاستخدام الأنماط كخلفية أو نسيج للملابس مثلا، بل إنها اصبحت تتفهم طبيعة الأنماط بما يسمح لها التلاعب بها بمهارة. في معرضها الحالي تبني مي على المجموعة التي قدمتها في 2013 تحت عنوان Transient Chronicles إذ تركت أسلوب المذكرات البصرية واتجهت لإعطاء الأنماط حضورا أقوى، تبث الأشكال المختلفة الروح في الأجساد كما لو كانت تكشف لنا عن عوالمهم الخاصة، أو ربما لا شيء. فقد حررت الفنانة الأنماط من أي معنى رمزي متعارف عليه. تتعامل الفنانة مع الأشخاص بنفس طريقة تعاملها مع الأشكال، كوحدة يمكن تدويرها وتكرارها معكوسة أو مفككة، ثم اعادة تركيبها، فكأنها تدعو المتلقي إلى حل لغز ما. الشخصيات التي تصورها مي مجهولة مجردة من الملامح, لنرى التعبير كله في الأطراف، فإصبع القدم المرفوع قد يعبر عن التوتر، بينما قد تعبر اليد المسترخية عن الإستسلام. وكأن اللوحة مستوحاة من عرض راقص معاصر تكون فيه لغة الجسد هي البطل. الخطوط الانسيابية المتدفقة تقود العين من الرأس إلى الأيدي إلى القدم، لتعود إلى المرفقين والفخذين وأطراف الأصابع. تصور مي الأجساد جالسة وكثيرا ما تكون منغلقة في شكل كروي، وتكمن الطاقة في علاقتهم بالأنماط والألوان من حولهم. ففي أعمال مثل Echoed وReflection يحتل الجسد اللوحة بالكامل من الحافة للحافة، كما لو كانت الجوانب الأْربع للإطار لا يمكنها احتوائه. وفي أخرى مثل Confinement يظل في جانب واحد من اللوحة على الرغم من توفر مساحة كبيرة محيطة به. معظم أعمال المعرض ثنائية: العمل و مرآته. ونرى هذا أكثر وضوحا في ثنائية Half Empty ومجموعة Reflection ولا يتعلقالأمر بالتناظر بل بالأحري هو عرض حالة واستكشاف عكسها. امتدادا لهذه الازدواجية تركز الفنانة على التباين، الأمر الذي ظهر بوضوح مع نضجها الفني. ويظهر التباين في اختيارها للأدوات التي تستخدمها, بما يعزز التباين المتأصل بين الأجساد والأنماط. خطوط القلم الرصاص الرفيعة تتباين مع مساحات الألوان, حيث تزن الفنانة بين الثقل والخفة، والمناطق الكثيفة والكانفاس الأبيض. أسلوبها يقدم بعدا آخر للتباين، فبينما يتطلب تنفيذ الأنماط الدقة والقرب من اللوحة، فإن رسم الأشخاص هو الذي يتم بالقلم الرصاص والفحم وهم أدوات أكثر دقة، تلك الخطوط ترسمها الفنانة بثقة ولكن نظرا لتكرارها فهي غير راسخة أو نهائية، كما لو كانت تبحث عن الخط الصحيح مع الاستمتاع بطبيعة الإيحاء والمراوغة.هذه هي الروح التي تتميز بها أعمال مي رفقي في معرض استعادة. فالعين تتجول في تكويناتها المتشابكة وتتوه في طبقاتها. وعند ملاحظة المشاهد للطرق المختلفة التي تستخدمها الفنانة من التباين والازدواجية و وزنها لدقة التنفيذ مع حرية التعبير، فقد يكون هذا هو مفتاح الاستمتاع بأعمالها وأسلوبها الشاعري.