نحن لا نفقد الأمل في العائلة تحت أي ظرف، وإنما نظل على حبنا لهم ونحاول بمرور الوقت أن نتقبل عيوبهم وإن شقّ علينا.. هذا هو أول درس تعلمته "كيلا" من عمها، كان يحاول به التواصل مع الفتاة الرقيقة التي ساعد في تربيتها، هذه الفتاة التي حولها اختفاء والدها الغريب إلى أخرى غاضبة شرسة تلوم كل من حولها، وتتهمهم بالتخاذل، وترى أن الشخص الوحيد الذي بإمكانها الاعتماد عليه هو نفسها، فبالنسبة ل"كيلا" كان أبوها هو كل عائلتها، لكنها لم تكن تدرك أن اختفاءه سوف يكون السبب في تكوينها عائلة جديدة، وتحولها من مراهقة غاضبة إلى امرأة ناضجة تمتلك من القوة والرقة ما يجعل الآخرين يعتمدون عليها ويرون فيها قدوة. يبدأ فيلم "كيلا" بشاطئ هادئ تسبح فيه بصحبة والدها الذي يختفي في المياه، تاركًا إياها بمفرده، لتستيقظ "كيلا" مفزوعة من نومها، مدركةً أنه واحد من كوابيسها التي اعتادت عليها بعد اختفاء والدها خلال ذهابه للصيد دون أن يجدوا له أثرا، وتنطلق لممارسة أنشطتها اليومية ومقابلة حبيبها وتناول عشاء هادئ بصحبته للاحتفال بعيد ميلادها ال18، لكنها تتلقى بعدها مكالمة مفاجئة من طليقة والدها التي تخبرها عن نيتها بزيارتها بعد علمها بخبر اختفاء الوالد الصادم، لكنها لن تأتي وحدها فبصحبتها ابنها "فرانسيسكو" الذي يكتشف أن له شقيقة أكبر منه، ومنذ اللحظة الأولى يكون رابط أخوي غريب معها، ومعا يقرأ خطاب تركه الأب ل"فرانسيسكو" يخبره فيه عن كنز ويترك له خريطة للبحث عنه، ووسط محاولاتهم فك شفرة اللغز تتفاجأ "كيلا" بخبر وفاة والدها، لكن هذا لا يوقف بحثها عن الكنز، حتى تجده في النهاية. Keyla هو واحد من الأفلام القليلة الذي يدرك فيها صناعه ماذا يريدون منه، فمع أول مشهد تراه يمكنك إدراك أن ما تشاهده فيلم عائلي، لو كنت تبحث عن حوار مفتعل وأحداث ملحمية تشابه ما يحدث في أفلام الأبطال الخارقين في مارفل، فهذا الفيلم لا يناسبك بكل تأكيد، فالبطل في هذا الفيلم ليس أحد الممثلين وإنما الحب، هذا الشعور الذي حير العالم بأكمله فإما أن تشعر به أو لا، عانت "كيلا" طول حياتها كي تجده؛ فوالدتها هجرتها وهي طفلة، حبيبها خانها، وأخيرًا مات والدها تاركًا لها إرثًا من الوحدة والخذلان بعد أن اكتشفت كذبه عليها واتجاره بالمخدرات، لكن الأقدار كانت رحيمة ب"كيلا"، فما إن أغلقت كل أبواب الحب في وجهها حتى انفتح باب آخر. فخلال سعي "كيلا" للبحث عن كنز والدها المزعوم، اكتشفت أن الكنز الذي تركه لها هو علاقتها بأخيها، هو الحب الذي كانت تبحث عنه، هي لم تعد وحيدة بعد الآن، بالعكس أصبحت بطلة في نظر شقيقها الأصغر، ومعه تعلمت كيف تتحول إلى أنثى ناضجة بإمكانها تحمل مسئولية نفسها والآخرين. يمكنك أن تشعر من البداية أن الفيلم الذي تشاهده ليس أمريكيًا، قد لا تستطيع تحديد جنسيته، لكنك تدرك من الصورة النقية ومن التمعن في تفاصيل الحياة اليومية -المملة- مثل مشهد ركوب "كيلا" الموتوسيكل، ومشهد تقشيرها السمك وتحضيرها الطعام أنك بحضرة السينما الأوروبية، هذه السينما التي لا يستسيغها كثير من الجمهور لافتقادها الصورة البراقة وعناصر التشويق الذي تعتمد عليها نظيرتها الأمريكية، لكن في حقيقة الأمر ما يعتبره كثيرون نواقص إنما هو ما يميز هذا النوع من السينما. الناس يحبون أن يتحدثوا عن اهتمامهم وشغفهم بالتفاصيل الصغيرة، بينما يملون أمام الشاشات من عمليات يمارسونها يوميًا مثل إعداد الطعام، بل قد يصفونها بفقر إبداعي للمخرج بسبب لحظات الصمت الكثيرة التي تغلب على الأبطال، والتي تترك المشاهد في حالة ملل، لكن في حالة Keyla وظفت المخرجة فيفيانا جوميز كل لحظة صمت لخدمة المشهد وانفعالات البطلة واضطرابها الداخلي فهي المراهقة التي تحاول معظم الوقت التحكم في غضبها بالصمت. ربما ما زال أمام السينما الأوروبية كثير من الوقت كي يتذوقها الجمهور، لكن "كيلا- هي خطوة جيدة على طريق فتح قلوب الناس لهذه السينما، خاصةً عندما تأتي من بلد مثل كولومبيا مهدور حقه في صناعة السينما. إخراج: فيفيانا جوميز تصنيف الفيلم: دراما- مغامرة مدة الفيلم: 90 دقيقة