وضعت روسيا إسرائيل في مأزق بالغ الخطورة، بعد أن رفضت الأولى كافة المبررات الفنية والعسكرية التي حاولت تل أبيب تقديمها لنفي أي ضلوع لها في سقوط طائرة الاستطلاع الروسية من طراز إيل – 20 فوق سواحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا. وجاء إعلان موسكو بأنها تلقت معلومات مضللة حول أماكن الضربات والغارات العسكرية التي تنفذها بين الحين والآخر على المنشآت التابعة لقوات بشار الأسد أو حليفته الأولى في الشرق الأوسط إيران، ليضع تل أبيب في موقف خطير في الأزمة المستمرة منذ الأسبوع الماضي، لتجد القيادة في إسرائيل نفسها أمام ضرورة الاعتراف بالخطأ الذي أودى بحياة طاقم الطائرة الفني البالغ عدده 16. وأشار تقرير لوكالة الأنباء الروسية سبوتنيك، إلى أن التنسيق المتبادل كان السمة السائدة في العلاقات العسكرية بين روسيا وإسرائيل حول الأوضاع في سوريا، مشيرة إلى أن موسكو حرصت على مراجعة كافة الحالات التعارضية بين العمليات العسكرية من الجانبين لمزيد من استوضاح الصورة في واقعة سقوط الطائرة. وأوضحت أن هناك العديد من الحالات على مدار العامين الماضيين لعمليات التنسيق المتبادل والمشتركة في العمليات العسكرية بين إسرائيل وروسيا، بما في ذلك تعطيل وسائل الدفاع الجوي الروسية مثل S-300 وS-400 عن استهداف الطائرات الإسرائيلية، في المقابل تجنبت غارات تل أبيب التعرض للقوات الموالية لإيران في المناطق القريبة من الأراضي الإسرائيلية بتعهد من موسكو بحماية أمنها ومصالحها. من جانبه، يرى الصحفي والمعلق السياسي الروسي فيكتور ماراخوفسكي، أن خيارات إسرائيل المتاحة باتت محدودة وصعبة في أعقاب الحادث الذي أسفر عن فقدان طائرة عسكرية روسية فوق سوريا، مشيرًا إلى أن إسرائيل مُطالبة بالاعتراف بخطئها الفج، وإلا خسرت المساندة الروسية في سوريا. روسيا ترد على ضلوع إسرائيل في إسقاط طائرتها بكارت إيران وحزب الله وقال ماراخوفسكي: "روسيا سبق وأن قدمت مساعدات لإسرائيل في سوريا، بما في ذلك قرار التخلي عن الصفقة التي تم إبرامها بالفعل لبيع أنظمة S-300 إلى سوريا في صفقة بلغت نصف مليار دولار، بسبب القلق من قدراتها على تغطية نطاق كامل أراضي إسرائيل". وأضاف: "هناك قائمة طويلة من أساليب التعاون والتنسيق بين البلدين، لقد أثبتت روسيا من الناحية العملية أنها تقدر علاقاتها مع إسرائيل وتفهم موقف تل أبيب، ولذلك فإن على تل أبيب اتباع سياسة مماثلة، وإلا كانت خسائرها فادحة على كافة المستويات". العمل المشترك ليس فقط هو ما تخشى إسرائيل فقدانه في العلاقات مع روسيا، ولكن أيضًا تولي تل أبيب اهتمامًا بالغًا بإبقاء موسكو بعيدة عن أي صراع مشترك بين إسرائيل وإيران. واعتادت موسكو الدخول في لعبة دبلوماسية دقيقة للحفاظ على العلاقات الودية مع كل من إسرائيل وإيران، وفي يوليو الماضي أبرمت موسكو اتفاقًا مع طهران لإبقاء مقاتليها على بعد 85 كيلومترًا من مرتفعات الجولان لاستيعاب المخاوف الأمنية الإسرائيلية. وأكدت سبوتنيك أن القيادة الروسية لن ترتضي بمجرد تنصل إسرائيل من الأمر، والذي لخصته في زعم أن "السوريين هم من استهدفوا الطائرة الروسية بشكل عشوائي، أو أنهم لا يعرفون حتى كيف يستخدمون أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بهم". هل تسببت إسرائيل في سقوط طائرة الاستطلاع الروسية؟ وفي هذا الصدد، أكد مارخوفسكي أن توابع هذا الموقف الإسرائيلي تبدو غير مرضية لموسكو وتل أبيب على حد سواء، خاصة أن الحرب في سوريا، تشهد مشاركة العديد من القوى العسكرية على سطح هذا الكوكب بشكل مباشر، ولا شك أن أهداف تلك القوى تتعارض في بعض الأحيان. وأوضح أنه على الرغم من تعارض الأهداف بشكل رئيسي بين تلك القوى في سوريا، غير أن السبب الرئيسي في تجنبها الخسائر الفادحة هو التنسيق المتبادل مع القوى الأخرى، مشيرًا إلى أن هذا المبدأ هو الأكثر تأثيرًا على الأوضاع العسكرية في سوريا. وذكرت صحيفة كوميرسانت الاقتصادية اليومية أن روسيا قد ترد أيضًا على إسقاط طائرتها بأن تصبح أكثر ضلوعًا في إشراك إيران وميليشيا حزب الله بالأمر، خاصة أن تل أبيب تبدو حساسة تجاه الدعم الروسي لطهران وميليشياتها العسكرية في لبنان. روسيا: تحطم الطائرة لن يؤثر على اتفاق بوتين وأردوغان التواجد الرئيسي للقوات الروسية في قاعدة حميميم، وهي الركيزة الرئيسية للعمليات الجوية والعسكرية التي تشنها موسكو داخل الأراضي السورية، كما أنها تعتمد على بعض الأسلحة الجوية مثل الطائرات المقاتلة المتواجدة في مطار باسل الأسد بالقرب من اللاذقية، وهي أماكن تتجنب إسرائيل شن هجمات مباشرة عليها. وخلال 2017 انحصر التواجد الروسي في قاعدتي طرطوس وحميميم ومركز المصالحة الروسي، حيث خصصت وزارة الدفاع الروسية 3 وحدات من الشرطة العسكرية لحماية تلك المنشآت والقواعد، كما عززت ذلك بتنسيق متبادل مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل والتي استهدفت مناطق مختلفة في دير الزور ودمشق.