لا تزال الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصين تُلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي للعملاق الآسيوي، والذي استطاع على مدى العقود الماضية استطاعت الصين أن تبعث بالعديد من الإشارات على كونها إحدى القوى الاقتصادية المُقبلة بقوة على الساحة الدولية. الصين خلال الفترة الماضية، وتحديدًا بعد تبني ترامب سياسات تجارية رفعت من سعر بضائعها داخل السوق الأمريكي، بحثت عن العديد من الحلول التي يمكن من خلالها إنهاء هذا الخلاف أو تقليل آثاره المباشرة على الاقتصاد الصيني، فتارة تلجأ إلى الدبلوماسية وأخرى إلى تعديل سياساتها النقدية. قيمة اليوان.. الصين تناور بآخر كروتها في الحرب التجارية مع ترامب أحدث حلقات المسلسل الصيني المستمر لتفادي الآثار الاقتصادية الناتجة عن العقوبات التي أعلنها ترامب، كان الاستنجاد بالشركات الأمريكية نفسها، والتي تمتلك وجودا سريعا واسعا داخل السوق الصيني. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن الصين دعت كبار المصرفيين في الولاياتالمتحدة إلى اجتماع تم ترتيبه بسرعة في بكين لمناقشة العلاقات بين البلدين، وذلك بعد بدء وضوح آثار القرارات التجارية الأخيرة لترامب، والتي أضافت تعريفة جمركية عقابية على جميع الصادرات الصينية إلى أمريكا. وحسب الصحيفة، طلب المسؤولون في الحزب الشيوعي الحاكم من رؤساء المؤسسات المالية الرائدة في وول ستريت تنظيم حدث في 16 من سبتمبر الجاري، حيث ستنضم كبرى الشركات العاملة من البلدين في اجتماع لمناقشة الأوضاع الحالية على المستوى التجاري. وقالت الصحيفة نقلًا عن 3 أشخاص على دراية بتلك الترتيبات، إن مائدة مستديرة ستجمع كبرى الشركات التجارية والمالية، مشيرة إلى أن نائب الرئيس الصيني وانج تشيشان سيكون على موعد مع لقاءات هامة تجمعه بمسؤولي الشركات الأمريكية خلال وقت قريب. ويأمل المسؤولون الصينيون أن تلتقي المجموعة كل ستة أشهر، بحيث يوفر ذلك إمكانية متابعة سير العمل بين الجانبين، ومن ثم إيجاد فرص حقيقية لخفض الأعباء الاقتصادية التي ستفرضها سياسات ترامب التجارية على الشركات الصينيةوالأمريكية على حد سواء. خلاف ترامب ووادي السيليكون يمنح الصين أغلى هدية عسكرية وأضافت الصحيفة البريطانية أن الاجتماع الجديد سيرأسه حاكم بنك الشعب الصيني السابق تشو شياو تشوان وجون ثورنتون رئيس مجموعة باريك جولد للتعدين، وذلك لتكون قيادة الاجتماع مُقسمة بين الصينوالولاياتالمتحدة. قائمة المؤسسات والكيانات المالية التي تمت دعوتها للاجتماع في الصين، بواسطة فانج شينج هاى، نائب رئيس هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية، شملت وزير الخزانة الأمريكي السابق هانك بولسون، بالإضافة إلى رئيس مجلس الإدارة شركة بلاكستون الأمريكية ستيفن شوارزمان، فضلًا عن رؤساء مجموعة سيتي جروب وشركة جولدمان ساكس جروب وجي بي مورجان تشيس ومورجان ستانلي. وبخلاف المحاولات الدبلوماسية، استطاعت الصين أن تُخفف من الآثار الاقتصادية المباشرة على البلاد عن طريق مجموعة من السياسات النقدية واضحة المعالم، حيث أقر بنك الشعب الصيني سلسلة من التعديلات والإجراءات التي من شأنها أن تُعيد رسم السياسات المالية والاقتصادية لبكين خلال الفترة المقبلة، وذلك بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة. السياسة الاقتصادية للصين في العموم تعتمد على استراتيجية السعر الرخيص لمنتجاتها في الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي يُكسبها طابع التنافسية في مواجهة منتجات عمالقة التصنيع في العالم مثل الولاياتالمتحدة وألمانيا واليابان. ويرى الخبير الاقتصادي الأمريكي نيل كامبيرلي خفض العملة الصينية أمر بات يؤثر على الاقتصاد الصيني، لا سيما في ظل الإجراءات الأمريكية الجديدة، مشيرًا إلى أن رفع قيمة العملة الصينية يوفر لبلاده بعض الحماية من تأثير التعريفات التجارية الأمريكية. وفي سياق متصل، رأت شبكة CNBC الأمريكية أن هناك احتمالية كبيرة لإبداء الشركات الأمريكية مرونة واضحة في التعامل الدعوة الصينية، لا سيما وأن بعض المؤسسات الكبرى في الولاياتالمتحدة مثل أبل ومايكروسوفت وأمازون وغيرها، تواجه صعوبات واضحة في ظل القرارات الأمريكية الجديدة على المستوى التجاري بين البلدين. الصين تُنعش القارة السمراء باستثماراتها.. وإسقاط الديون فرصة ذهبية لإفريقيا وعلى سبيل المثال، يهدد الانقسام بين واشنطن ووادي السليكون شراكة من شأنها أن تكون حاسمة للحفاظ على تقدم الولاياتالمتحدة في الذكاء الاصطناعي، وهو المجال الذي تولي له الصين أهمية بالغة في الفترة الحالية، حيث تستثمر أموالها بكثافة في أبحاث التطوير والتقنيات المستخدمة فيه. وإجمالًا، من السابق لأوانه تحديد فرص نجاح الدعوة الصينية في إيقاف الحرب التجارية التي أشعلها ترامب مؤخرًا، غير أنها قد تخلق ضغوطات متزايدة على الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرارات تحول دون مزيد من الصعوبات على الجانبين.