تراهن روسيا دائما على قدراتها الضخمة في مجالات النفط والغاز الطبيعي، بتعاملاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي جعلها حاضرة وبقوة على مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الدول الركائز في منطقة اليورو، وعلى رأسهم ألمانيا. لعقود من الزمن، قدم خط أنابيب الصداقة من روسيا إلى أوروبا فائدة كبيرة لبرلين، والتي اعتمدت عليه بشكل رئيسي لإنارة وتدفئة منازلها حتى في أحلك أيام الحرب الباردة، غير أن خط أنابيب «نورد ستريم 2» الجديد الذي سيحمل الغاز مباشرة من روسيا تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، ليس بدافع الصداقة، الأمر الذي قد يصدر مزيد من الأزمات السياسية إلى ألمانيا ومستشارتها أنجيلا ميركل. ميركل.. أولى ضحايا ترامب في قمة «الناتو» بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن نورد ستريم 2 هو أمر مروع من شأنه زيادة اعتماد ألمانيا على الطاقة الروسية، كما تخشى أوكرانيا التي تحارب الانفصاليين المدعومين من روسيا من أن خط الأنابيب الجديد سيسمح لموسكو بقطعها عن تجارة نقل الغاز المربحة والخطرة من الناحية الاستراتيجية. وخلال الوقت الحالي والذي يشهد نظرة فريدة من أوروبا إلى ألمانيا، وهو ما يتطلب زيادة دورها الفعال على مستوى القيادة السياسية في أوروبا، مما يضع مزيد من الأعباء على كاهل ميركل، التي ترى أن المشروع سيمثل استفادة اقتصادية ضخمة لبلادها، فيما ترى أوروبا أنه يضع قدمًا راسخة لموسكو داخل القارة العجوز. وقالت ميركل الشهر الماضي: "النظام العالمي يتعرض لضغوط.، هذا تحدي لبرلين، فمسؤولية ألمانيا آخذة في النمو؛ وهي لديها المزيد من العمل للقيام به." وفي أبريل الماضي، قبلت المستشارة الألمانية للمرة الأولى وجود "اعتبارات سياسية" ل "نورد ستريم 2"، وهو مشروع كانت قد وصفته حتى ذلك الحين بأنه مشروع تجاري بحت وليس له أي اعتبارات سياسية. وتريد معظم الدول الأوروبية من ألمانيا أن تفعل المزيد لزيادة النفوذ الأوروبي وحماية جيرانها الشرقيين الذين يشعرون بالتوتر من التعدي الروسي، غير أن السماح لموسكو ببيع الغاز لألمانيا مع تهميش أوكرانيا يفعل العكس، مما يحرم كييف من عائدات تمرير الغاز ويجعل بولندا ودول البلطيق أكثر عرضة لخفض إمدادات الغاز. وقال رودريش كيسويتر حليف ميركل في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان: "الثمن سيكون خسارة أكبر في الثقة من دول البلطيق وبولندا وأوكرانيا". استقالة وزير الداخلية الألماني بسبب سياسات ميركل وأضاف: "نحن الألمان دائما نقول إن الاتفاق مع الغرب هو "مركز ثقل" لدينا، ولكن النهج الروسي نجح في جر ألمانيا، على الأقل من حيث سياسة الطاقة، للخروج من هذا التضامن الغربي". ويرى العديد من المحللين إن فوائد نورد ستريم 2 التجارية تبدو ضعيفة، مبررين ذلك بأن وجود خط أنابيب آخر يربط بالفعل بين روسياوألمانيا تحت بحر البلطيق، سوف يضاعف من كميات الغاز الواصلة إلى ألمانيا، غير أن الطلب المستقبلي لا يزال أمر غير مؤكد. على الجانب الآخر، ترى الصناعة الألمانية فوائد ضخمة من المشروع، فبرلين تسعى دومًا نحو أي شيء من شأنه أن يوفر الطاقة بسعر أرخص. وبخلاف ذلك، فإن شركاء الائتلاف الديمقراطي الاشتراكي يدعون إلى نهج تصالحي تجاه روسيا، وهو ما يعزز بشكل فعلي قبولهم للصفقة الضخمة بين البلدين. ميركل: أوروبا بحاجة إلى حل مشترك لأزمة الهجرة المستمرة إبقاء نورد ستريم 2 كمشروع تجاري فقط كان بمثابة حلم بالنسبة لميركل، فالقضية استطاعت تقسيم الطبقة السياسية في برلين، وذلك على الرغم من اتفاق الطرفين في محادثاتهما الائتلافية في وقت سابق من هذا العام على الالتزام بالمشروع وإن لم يتم توقيع ذلك بشكل كتابي حتى الآن. ووفقا لمارجريتا أسينوفا، وهي محللة في مركز السياسة الأوروبية الذي ينتقد نورد ستريم 2، فإن روسيا يمكنها مضاعفة صادرات الغاز إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية الحالية دون بناء القناة الجديدة، الأمر الذي يشكك في الأساس بجدوى المشروع الاقتصادية لألمانيا. ميركل تسعى في الوقت الحالي لاحتواء معارضة المشروع والاستمرار في خططه التنفيذية، والتي بدورها تعزز القدرات الاقتصادية بشكل عام لدى الألمان، غير أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكون سلاح ذو حدين في هذا الملف، فمن ناحية سترغب برلين في إتمام الصفقة إذا ما طُلب منها تحمل مزيد من الأعباء الاقتصادية بعد خروج لندن، وفي الوقت نفسه فإن الوضع سيكون أكثر إلحاحًا على برلين لتحمل مزيد من الأعباء السياسية في مرحلة ما بعد البريكست.