بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على القطيعة التي جمعت الملحن اللبناني زياد الرحباني مع والدته النجمة القديرة فيروز، تعود المياه لمجاريها مرة أخرى بتمكن الابن من إصلاح علاقته بوالدته بعد ما انهارت تمامًا نتيجة أسباب كثيرة منها محاولته الصلح بينها وبين أبناء عمه منصور الرحباني بعد خلافات عائلية نشبت بينهم، وصل إلى حد مقاضاتهم لها، وهذه تعد خطوة جيدة في صالح عصفورة الشرق خاصة بعدما قدمت ألبوم «ببالي» والذي يراه البعض لا يليق باسمها، إذ لحقته انتقادات كثيرة نتيجة اعتمادها على كلمات أغاني مقتبسة من الغرب، إلى جانب سوء توزيع ألحانه، إذ يعتقد كثيرون أن هذا الألبوم كان سيظهر بشكل أفضل لو تعاونت فيروز مع ابنها زياد. زياد قال في تصريحات تلفزيونية مع قناة «المنار» اللبنانية، أمس: «إنه قريبًا جدًا سيعود كل شيء كما كان، والآن يحاول إصلاح العلاقة مع شقيقته ريما الرحباني»، وعن رأيه في الألبوم الذي طرحته والدته في الفترة الأخيرة قال: «إنه كان عن سوء نية أو عدم دراية أنتجت عملاً لفيروز لم يكن كما يجب»، موضحًا أن السيدة فيروز لم تسأله عن رأيه بألبومها الأخير. ولكن زياد تحدث لأول مرة عن سر الخلاف الذي استمر مع والدته لسنوات مؤكدًا أنه كان لسوء تفاهم حدث بينهما واستفاد منه البعض، وذلك حينما صرح في وسائل إعلامية أن والدتها معجبة بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهو الأمر الذي أغضب فيروز وشقيقته المخرجة ريما. خلاف فيروز مع زوجها وتعرض عائلة الأخوين الرحباني خلال السنوات الماضية لأزمات وخلافات كثيرة نشبت بينهم، استفاد منها خصومهما وفق ما يصرح به أبناء العائلة، وخاصة فيروز زوجة عاصي الرحباني، ولكن الجميع يتحفظ في ذكر أسماء الأشخاص الذين استفادوا من هذه الخلافات التي بدأت منذ عام 1972. فقد استطاع الأخوان عاصي ومنصور الرحباني أن يشكلا ثالوثًا فنيًا مع فيروز (زوجة عاصي) لن يتكرر كثيرًا في التاريخ الغنائي للوطن العربي، إذ قدموا معا فنًا مختلفًا، وحالة غنائية نادرة الحدوث من خلال مئات الأغاني، التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية، وذلك لتميزها بقصر المدة وقوة المعنى، على عكس الأغاني العربية السائدة في ذلك الوقت التي كانت تمتاز بالطول. ولكن سرعان ما دبت الخلافات بين عاصي وزوجته فيروز، خاصة عندما أجبرت الظروف منصور الرحباني على كتابة أغنية «سألوني الناس» لفيروز ولحنها ابنها زياد، من أجل غنائها في مسرحية «المحطة» للأخوين، بعدما أصيب أخيه عاصي بنزيف حاد في المخ نقل على أثره إلى المستشفى، إذ اعترض عاصي على ذلك بعد تماثله للشفاء، معتبر ذلك متاجرة بمرضه، وحاول إلغائها من المسرحية ولكنها كانت قد لاقت رواجا كبيرًا في ذلك الوقت. وتصاعد الخلافات بين عاصي وزوجته، أسفر عن انفصالهما عام 1978، ثم فارق هو الحياة بعد ذلك ب 8 سنوات، تركًا فراغًا كبيرًا في حياة فيروز، التي قالت إنها لم تعرف الحزن إلا بعده، حتى أنها بكت في حفل لها بعد وفاته أثناء غنائها «سألوني الناس»، وتحديدًا عندما جاءت عبارة «بيعز عليا غني يا حبيبي لأول مرة ما بنكون سوا». تهديد بالسجن وشهد عام 2008، تطورا جديدا في خلافات عائلة الرحباني، وذلك عندما قام حاول منصور الرحباني بمنع فيروز من إعادة عرض مسرحية «صح النوم» على عدد من المسارح العربية في دمشق والإمارات وسوريا، وأرسل لها إنذارًا بعدم أحقيتها في الانفراد في التصرف بحقوق ملكية الرحبانية، دون الرجوع لموكله، ومهددًا إياها بالحبس والغرامة، جراء ذلك، مطالبًا بحقه المادي في الأغاني التي تؤديها في حفلاتها بصفته مؤلفها وملحنها، وحينها أصدر أبناء منصور «مروان وغدي وأسامة» بياناً يفيد بأن فيروز كانت مجرد مؤدية، ولم تشارك في الإنتاج، لذلك لا تتمتع بأي حقوق ملكية. وتفاقمت الخلافات بشكل جعلتها مادة سخية تتناولها وسائل الإعلام العربية لفترة طويلة، وذلك عندما أصدرت وزيرة التعليم، بهية الحريري، قرارًا ينص على «تعليم فن وأدب منصور الرحباني والعائلة الرحبانية» للطلبة في المدارس، وهو ما اعتبرته فيروز وابنتها ريما اختزالا لحق عاصي الرحباني، وتغييبًا له بفصل اسمه وتصدير أخيه منصور. وحدثت هذه الخلافات صدعًا كبيرًا في عائلة الرحباني، إذ توارث الأبناء خلافات الآباء، ولكن زياد الرحباني -ابن فيروز وعاصي- حاول التخلص من هذا الصدع والتقريب بين أمه وأخته من ناحية وبين أبناء عمه منصور الذي رحل عن عالمنا عام 2009، ولكن هذه المحاولة قوبلت بالرفض الشديد من قبل أمه، بل واعتبرته فيروز انحيازًا لأبناء عمه، بعكس ريما ابنتها، التي ترفض تماماً تسوية الأمر وديًا، وتقود حملات شعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للسماح لفيروز بغناء تراث الرحباني، دون أي قيد أو شرط. محاولات للصلح حاول بعض المقربين من عائلة الرحباني، وصل حبل الود بين عائلتي الأخوين ولكنها باءت بالفشل، فكلا الطرفين يتظاهر بأنه لا توجد مشاكل أو خلافات بينه وبين الطرف الآخر وإن كانت فيروز الأكثر صراحة ومباشرة في توضيح جوهر الخلاف، فهذا ما كشفه الكاتب الكبير سمير عطا الله في مقال له بعنوان «لماذا تفرق الرحابنة وفيروز؟»، والذي أكد فيه أن كلا الطرفين يعتقد أن لا روعة للآخر من دونه. وأوضح أن الخلاف بين فيروز ومنصور الرحباني فلم يتوقف حتى توفي هو لكنه ترك وصية طالب خلالها أولاده بإنهاء النزاع ووفقًا للصحافة اللبنانية فإن: «أصل النزاع كان مطالبة منصور الرحباني فيروز بحقوقه المادية عن الأغاني التي تقدمها في الحفلات بصفته مؤلفها وملحنها». ما قدمته فيروز بالاشتراك مع الأخوين رحباني، وهي تجربة شهد لها العالم العربي والعديد من دول العالم بالنجاح والتألق، وبسببها نالت عصفورة الشرق جوائز وأوسمة عالمية، لكن الخلاف الذي نشأ بين منصور وورثة عائلة الرحباني مع فيروز في السنوات الأخيرة، كاد أن يقضي على تاريخ هذه العائلة الفنية.