لماذا يشعر كل ضابط وجندي بقوات الدفاع الجوي بالفخر لانتمائه لهذا الفرع، وكل مكان وموضع في قواتنا المسلحة محل فخار لرجاله البواسل، الإجابة لأنهم يعون التاريخ القريب والبعيد سواء، وعلى يقين أنهم عندما يحمون سماء مصر، فإنهم حماة كبرياء المصريين جميعًا وضامنهم ألا تتكرر مذابح الأطفال والعمال، التي ارتكبتها غارات العدو الصهيوني بالطائرات أثناء حرب الاستنزاف ضد المدنيين العزل في قلب المدن المصرية. كان العدو عقب هزيمة 1967 قد لجأ لضرب مستودعات الوقود ومعامل التكرير في السويس بغرض أحداث شلل في مصادر الطاقة من البترول، لكنه لم يحقق الغرض، فقام بعدها بعمليات لضرب محطات توليد الكهرباء من السد العالي، ونفذ عمليتين في نوفمبر 1968 على هضبة نجع حمادي وقناطر نجع حمادي نجحت الأولى وفشلت الثانية. واستخدم في العمليتين طائرات هليكوبتر نقلت مجموعات تخريبية إلى الساحل المصري على البحر الأحمر، حيث لا توجد الدفاعات الجوية لا في البحر الأحمر، ولا في الصعيد. وقبلها أيضًا قامت المقاتلات الإسرائيلية بقصف كوبري دندرة، الذي كان قد قارب الانتهاء من تشييده بواسطة شركة مقاولات ألمانية. لكن بعد أن كبدت حرب الاستنزاف الإسرائيليين خسائر لم يتوقعوها، لجأوا إلى ضرب العمق المصري في المدن، بل والعاصمة، وكان المدنيون أهدافًا لقنابل طائرات الفانتوم، بل والأطفال في فصولهم، والفلاحون في قرى الريف المصري، ولم يكن هدف تلك الغارات الجوية عسكريًا، بل نفسيًا ومعنويًا لتحطيم الروح المعنوية للشعب، الذي وقف خلف قواته المسلحة يطالبها بالحرب واسترداد الأرض، فكان لا بد من كسر هذه الروح، التي تقف وراء صلابة وعزيمة المقاتل على الجبهة ثلاث سنوات لم يكل ولم يستسلم. في صبيحة يوم 12 فبراير 1970، وبينما كانت حرب الاستنزاف على أشدها في الجبهة، قامت الطائرات الإسرائيلية بغارة جوية قصفت فيها مصنع أبو زعبل المملوك للشركة الأهلية للصناعات المعدنية، وكان به 1300 عامل، فقتل منهم 88، وأصيب 150، وحرق المصنع بالكامل. كانت مذبحة أبو زعبل تحولًا نوعيًا في مسار حرب الاستنزاف، عندما بدأت إسرائيل من يناير عام 1970. وجاء قصف مصنع أبو زعبل ردًا على عملية الشلوفة البطولية، التى نفذتها عناصر من القوات المسلحة المصرية داخل سيناءالمحتلة، قبلها بيومين في 10 فبراير عام 1970، وأدت لمقتل وإصابة 20 إسرائيليًا وأسر 2 آخرين، وهو ما تعودت عليه عقب كل عملية عسكرية ناجحة للقوات المصرية خلال معارك حرب الاستنزاف. وخرج الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد ثلاثة أيام أي في 15 فبراير ليؤكد أن المصانع الإسرائيلية ستكون هدفًا بدورها للقصف المصري وقال: «نحن ندرس الغارة على مصنع أبو زعبل، وإذا أصبحت المسألة ضرب مصانع، فلن تكون مصانعنا وحدها معرضة للضرب»، قال الزعيم عبد الناصر ذلك، ولم يكن حائط الصواريخ اكتمل، وكان العمق المصري مفتوحًا أو منتهكا من الطيران الإسرائيلي، لكنه كان واثقا من عزم رجال الدفاع الجوي، وقرب اكتمال مخطط بناء حائط الصواريخ». وبعدها بشهرين وفي صباح الأربعاء 8 أبريل 1970 حلقت 5 طائرات إسرائيلية من طراز إف - 4 فانتوم بالطيران المنخفض فوق قرية الحسينية بالشرقية، وقامت في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة أي أثناء سير حصص الدراسة في الفصول بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية بشكل مباشر بواسطة خمس قنابل (تزن 1000 رطل) وصاروخين، وأدى هذا لتدمير المبنى بالكامل. ولم يكن المبني سوي دور واحد يضم ثلاثة فصول، إضافة إلى غرفة المدير وعدد تلاميذها مائة وثلاثون طفلًا أعمارهم تتراوح من ستة أعوام إلى اثنى عشر عامًا، وشاء القدر في هذا اليوم أن كان عدد الحضور 86 تلميذًا فقط استشهد منهم ثلاثون، وأصيب خمسون آخرون. إسرائيل قالت إنها قصفت ورشًا عسكرية، وتحاهلت صور دماء الأطفال على الكتب وحقائب المدرسة. وقام أطفال المدرسة الذين لم يصابوا في الهجوم بإرسال رسالة إلى "بات نيكسون" زوجة الرئيس الأمريكي وقتها "نيكسون"، وسألوها: «هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟! أنتِ الأم لجولى وتريشيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك مستر نيكسون؟!» ونجم عن الضغط الدولي عقب هذه المجزرة تأجيل تسليم صفقة طائرات أمريكية لإسرائيل. بينما لم يصدر بيان رسمي من الأممالمتحدة عن الحادث، واكتفوا بوصف الخارجية الأمريكية بأن "الأمر كله متعلق بانتهاك وقف إطلاق النار". وطوال سنوات حرب الاستنزاف كانت المنشورات على غلاف كراريس المدرسة تحذر التلاميذ من التقاط أي جسم غريب، وكان الآباء يحذرون أولادهم ألا يلتقطوا أي لعب أو أقلام فقد كانت الطائرات الإسرائيلية أثناء غاراتها الكاذبة على المدن تلقي بمنشورات ولعب أطفال وأدوات منزل تحوي قنابل تقتل أو تبتر الأطراف، هذا ما عاشه المصريون في مدنهم وقراهم أثناء سنوات الصمود في حرب الاستنزاف. لكن ذلك كان وسيظل ماضيا لن يعود كما يقسم رجال الدفاع الجوي كل يوم خلف بطاريات صواريخهم الرابضة في مكامنها ترقب السماء ليل نهار بالعيون الساهرة أمام شاشات الرادارات وعلى نقاط الاستطلاع بالنظر فى أقصى نقطة على طول الحدود المصرية المترامية. لن تنتهك سماءك يا مصر أبدًا بحول الله وقوته ثم بعزم رجال بواسل لجيشك هم خير أجناد الأرض.