أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة، نيكي هيلي، الثلاثاء الماضي، انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقالت هيلي إن السبب في انسحاب بلادها من المجلس يرجع إلى "عدم استجابته لمطالب الإصلاحات التي عرضتها أمريكا"، كما اتهمت المنظمة "بحماية منتهكي حقوق الإنسان"، واصفة إياها ب"المتحيّزة سياسيا". إلا أن صحيفة "الجارديان" البريطانية، كان لها رأي آخر، إذ اعتبرت الانسحاب الأمريكي من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمثابة هدية إلى الزعيم الصيني شي جين بينج. وأوضحت الصحيفة، أن الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان لن يجعله يختفي، إنما يترك فراغًا قياديًا، ستهرع الصين إلى ملئه، فمن المتوقع أن يسمح تراجع إدارة ترامب، للصين بالسيطرة على المجلس دون منازع، وتطبيق أجندتها لإعادة تعريف حقوق الإنسان وفقًا "للنموذج الصيني". وفي الوقت الذي يدفع شي، أجندته السلطوية على المسرح الدولي، يقوم بأسوأ حملة قمع ضد حقوق الإنسان منذ مذبحة "تيان آن من" عام 1989 في بكين. اقرأ المزيد: أمريكا تنسحب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمرة الأولى، نجحت الصين في رعاية قرار في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو 2017، بشأن إعطاء الأولوية للتنمية على حقوق الإنسان الأخرى. وقوض قرار الصين عن عمد المبدأ القائل بإن حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتصرف وغير قابلة للتجزئة ومستقلة ومتساوية وغير تمييزية، ويتساوى حقك في التنمية الاقتصادية، مع حقك في حرية التعبير. وتبعت الصين ذلك بقرار آخر في مارس من هذا العام، ركز على سيادة الدولة، وقد تعرض لانتقادات شديدة، حيث وصفه خبراء الأممالمتحدة بأنه "حصان طروادة"، وقال السفير السويسري لدى الأممالمتحدة إنه "يضعف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان". وانضمت الولاياتالمتحدة إلى 12 دولة أخرى للتصويت ضد قرار عام 2017، ولكنها كانت البلد الوحيدة التي صوتت ضد قرار مارس. ومع انسحاب الولاياتالمتحدة من مجلس حقوق الإنسان، يبدو أن آخر حائط صد في مواجهة "حقوق الإنسان ذات الخصائص الصينية" قد انهار. وخارج قاعة المجلس، نشرت الصين قواعد إجرائية وميزانية "لشن الحرب" على هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، مع تكتيكات تتراوح بين خفض التمويل لمكاتب الأممالمتحدة، ومنع المنظمات غير الحكومية من الحصول على الاعتماد، وصولًا إلى محاولات منع النشطاء من دخول مباني الأممالمتحدة في نيويورك. اقرأ المزيد: صحف السعودية: الحوثيون يستسلمون.. وواشنطن تنسحب من حقوق الإنسان كما أنها على استعداد لاتخاذ تدابير متطرفة، حيث توفيت الناشطة الصينية تساو شونلي في السجن عام 2014، بعد أن حرمت من الرعاية الطبية، لأنها حاولت حضور جلسة المجلس والتحدث بصراحة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وردت الصين بغضب عندما حاولت المنظمات غير الحكومية الوقوف دقيقة حدادًا على روح تساو في المجلس. وقالت الصحيفة البريطانية، إن سلوك الصين في الأممالمتحدة لا يعتمد إلا على القواعد، وإن ما حدث مجرد غيض من فيض، لما سيحدث مستقبلًا. قد يقول شي جين بينج أن الصين ستكون "حارسًا للنظام الدولي"، ولكن ما يعنيه هو أنها ستحتفظ بواجهة المؤسسات الدولية، ولكنها ستتخلص من حماية حقوق الإنسان في الداخل. عندما ترشحت الصين لإعادة انتخابها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2016، قالت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إن هدفها هو "الإعلان عن سياسة الصين الخاصة بحقوق الإنسان". وقال وزير الخارجية الصيني في جنيف في وقت سابق من هذا العام، إن جهود الصين في المجلس تهدف إلى "تحطيم احتكار الغرب لحقوق الإنسان". اقرأ المزيد: هل يؤثر انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان على إسرائيل سلبًا؟ وأشارت "الجارديان" إلى أن آلية عمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة معيبة، على الرغم من سقوط لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للسبب نفسه، فالمجلس الحالي يضم أعضاء من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان مثل الصين والسعودية وفنزويلا. ويهدف أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى "الحفاظ على أعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان"، لكن يتم انتخاب الدول من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس التوزيع الجغرافي، ومعظمها يتم انتخابها دون معارضة، ومن الواضح أن الالتزام الواضح بحقوق الإنسان ليس ضروريًا. وعلى الرغم من عضويته المسيسة للغاية، فإن المجلس هو المنبر الدولي الوحيد للدول الذي يتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان، كما يعيّن خبراء مستقلين في مجال حقوق الإنسان لا يتورعون في انتقاد الدول، ومن ضمنهم هؤلاء الخبراء الذين أثاروا مخاوف من انتهاكات حقوق الإنسان في الصين 104 مرات في السنوات الثماني الماضية. كما قام المجلس بفتح تحقيقات في كوريا الشمالية وسوريا وجنوب السودان وميانمار، وهي تحقيقات مستقلة ذات مصداقية يمكن أن تشكل الأساس لمقاضاة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وتمر جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة البالغ عددها 193 دولة، بمراجعة دورية شاملة لسجلها في مجال حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. اقرأ المزيد: انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.. مسلسل لا تنتهي حلقاته وتؤكد الصحيفة أنه مما لا شك فيه أن مجلس حقوق الإنسان، فشل في الوفاء بمبادئه التأسيسية، لكن كان من الأفضل للولايات المتحدة أن تدفع باتجاه التغيير الإيجابي، وتمنع المزيد من التراجع في حقوق الإنسان، أفضل من الجلوس جانبًا، والاكتفاء بالمشاهدة. وأضافت أنه يجب الآن على أعضاء اللجنة الدولية لحقوق الإنسان المتبقين، أن يعملوا جاهدين أكثر من أي وقت مضى لمنع الصين وغيرها من الأنظمة الاستبدادية من تقويض معايير حقوق الإنسان والدفع باتجاه إصلاح المجلس.