الدراما المصرية متشوقة إلى دور شرير متقن؛ فمنذ أعوام ونحن لم نجد شريرا يثبت نفسه في الساحة الفنية، لكن الوضع حاليًا تغير؛ فمسلسلات رمضان هذا العام لديها 3 من أقوى الشخصيات الشريرة التي شاهدناها في السنوات الأخيرة؛ فمن فتحي عبد الوهاب في مسلسل أبو عمر المصري الذي شبهه الجمهور بالجوكر، وعمرو عبد الجليل في مسلسل طايع، وباسل خياط في الرحلة، نجد أن الدراما المصرية أصبحت تلعب في منطقة مختلفة قد تجعلها تنافس هوليوود لو وظفت بشكل صحيح. عمرو عبد الجليل vs لوكي يعود عمرو عبد الجليل إلى الشاشة الصغيرة بعد غياب طال، اشتاق فيه الجمهور إلى رؤية موهبته الفطرية وقدراته التمثيلية الخارقة، وقد كان عمرو عبد الجليل في دور حربي بمسلسل طايع على قدر توقعاتهم، فبجاذبية لا تنكر يقدم عمرو دور مهرب الآثار والخارج عن القانون الذي قد يثير إعجابك بسبب خفة دمه وتنسى خلال مشاهدتك أنه يقدم دور شرير وقاتل يجعل مساعديه والعاملين تحت يده يقتلون بدلًا منه لتأكيد خضوعهم معه، بل لا يتهاون حتى في تأديب أولاده وكسر أيديهم بالصخر إذا خالفوا رأيه أو تصرفوا دون علمه، تشاهد هذا الشر فيقشعر جسمك، ثم ترى مشاهده وهو يقنع ضحاياه بضرورة قتلهم كي يكونوا عبرة فلا يفكر أحد في تكرار أفعالهم فتضحك، وتندهش كيف استطاع عمرو التنقل بين الشر وخفة الدم بهذه السلاسة. في السينما العالمية قلائل هم من أجادوا دور الشرير خفيف الدم، فمن الصعب أن يقتنع بك الجمهور كشرير ويهابونك وفي نفس الوقت يضحكون معك، من أبرزهم الممثل توم هيدليستون في دور لوكي، شقيق ثور الشرير، في فيلم Thor الذي يغار من تفضيل أبيه عليه، ولن يتوانى عن تدمير أخيه في السبيل الوصول للحكم، ورغم أن لوكي هو شرير وخائن بالفطرة إلا أنه يتمتع بخفة ظل لا يمكن إنكارها -كلها وليدة الموقف- فمن منا لا يضحك عندما يشاهد مشهد ضرب لوكي على يد العملاق الأخضر "هولك". فتحي عبد الوهاب vs الجوكر فتحي عبد الوهاب لا يشبه أحدا؛ فأداؤه في مسلسل أبو عمر المصري يمكن أن يُدرس، بنظراته، بحركات جسده ويديه، وبطريقة كلامه، كل هذه الأدوات عندما وظفها فتحي عبد الوهاب بطريقة صحيحة، نجحت في لفت أنظار الجمهور، ووصفه ب"جوكر الدراما المصرية"، خاصةً أن هناك عدة تشابهات؛ ففتحي يمتلك غريمًا دائمًا هو "فخر" -يقوم بدوره أحمد عز- وفي سبيل تدمير عز، لن يدخر فتحي جهدًا، المهم هو مصلحته، حتى لو كان ذلك يعني قتل ابن خالته "عيسى" بقلب ميت. الجوكر -يثوم بدوره هيث ليدجر- في فيلم The Dark Knight أيضًا من الشخصيات الجذابة خفيفة الظل على الشاشة، لكن قوته وشره المدمر يجعلك تنسى تمامًا هذه الجوانب المضحكة؛ فكل ما تمتد إليه يد الجوكر ستكون النهاية مصيره؛ فهو لا يدمر حياة عدوه اللدود "باتمان" فحسب، بل إنه يريد تدمير العالم بأكمله، هذا هو هدفه الأساسي، وسلاحه لتنفيذ هذا المخطط الشرير هو قلبه "الميت" فمهما كان عدد ضحاياه لا يكتفي الجوكر من القتل، ما يهمه هو أن يتحقق هدفه، ومصلحته في المقام الأول. باسل خياط vs السايكو "نورمان بيتس" باسل خياط يثبت من جديد أنه يجيد القيام بدور المريض النفسي المضطرب، الذي يقوده جنونه إلى أذية الغير والتلذذ بهذه الأذية، وفي مسلسل الرحلة يلعب باسل دور أسامة الزوج المعقد من الخيانة الذي يرى في كل النساء أمه الخائنة فيعذبهم، ويحبس زوجته في منزل الزوجية لمدة عام، ثم تبدأ رحلة تعذيبه لها، فمرة يتنكر في زي صديقة زوجته إنجي كي يجعل زوجته تفشي أسرار صديقتها، ومرة ثانية يخطف صديقته آية ويعذبها لأن جنونه أوهمها أنها خائنة، وتستمر رحلة التعذيب مع باسل تحت ستار المرض النفسي. في فيلم Psycho الأمريكي يقوم الممثل الأمريكي أنثوني بيركنز، بدور نورمان بيتس "السايكو"، الذي تتسبب عقد الطفولة لديه في أن يتنكر في هيئة والدته المتوفية، التي كانت تعذبه في صغره وتعامله بقسوة، ومن ثم يخطف النساء ويعذبهم في فندقه، وبرؤية ألفريد هيتشكوك الفذة للمرض النفسي ينجح أنثوني في تقديم واحدة من أهم الشخصيات الشريرة السادية في السينما العالمية، لكن يبدو أن باسل يعرف وصفة النجاح جيدًا، ويمتلك مفاتيح المريض النفسي بين يديه، لدرجة أنه يذكرنا بنورمان بيتس في أدواره. لبوسة ومساعده vs دكتور إيفل وميني مي في مسلسل الوصية، نشهد وجود شر من نوع مختلف، شر ساذج ومضحك يجسده خالد كمال في دور "لبوسة" الذي يحاول أن يأخذ الشركة من إيبو -يقوم بدوره أكرم حسني- بسبب غيرته منذ الطفولة من إيبو لأن الأخير يأخذ كل شيء منه حتى الفتيات التي تعجبه، وفي سبيل الشركة يحاول "لبوسة" أن يورط "إيبو" في مشاكل كثيرة، يساعده في مخططاته الشريرة، أحد العاملين معه، الذي تتلخص كل مهمته في موافقة "لبوسة" على كل كلامه. شخصية "لبوسة" تشبه دكتور إيفل في سلسلة أفلام Austin Powers؛ ف"دكتور إيفل" يحاول بكل صبر التخلص من أوستن باوز، ورغم فشله المتكرر إلا أنه لا يتوقف، يساعده في ذلك شخصية "ميني مي" التي تقوم بدور "السنيد" الذي يدعم كل أفكاره الشريرة دون تفكير. كل ما نحتاجه لتقديم شرير تخلده السينما والدراما المصرية، هو البعد عن "الأفورة" أو تقليد الغرب؛ فمحاولات التقليد تنكشف عادة وتترك الممثل في مقارنة مع نظيره العالمي وعادة لا تكون في صالحه؛ لكن عندما يقدم الممثل شخصية من صميم المجتمع المصري كما يفعل حربي تاجر الآثار الصعيدي المصري؛ فالشخصية بكل تأكيد ستظل عالقة في ذاكرتنا كثيرًا.