بعد سنوات من ممارسة الضغط للحد من الحشد العسكري الإيراني في سوريا، يبدو أن إسرائيل أقنعت روسيا، اللاعب الرئيسي في الساحة، بالالتزام بأحد مطالبها الرئيسية. ووافقت موسكو على منع القوات المدعومة إيرانيا، بما في ذلك حزب الله، من العمل على مقربة من مرتفعات الجولان المحتلة، وهو ما ينطبق أيضًا على الهجوم المتوقع من قبل قوات الحكومة السورية لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردين في المنطقة. وأشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية" إلى أنه من الواضح أن استراتيجية إسرائيل في الدفاع عن خطوطها الحمراء باستخدام القوة، لإحباط جهود إيران للحصول على موطئ قدم في سوريا، ومنع نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان، قد نجحت. ويبدو أن استهداف تل أبيب، في وقت سابق من هذا الشهر لنحو 50 موقعًا إيرانيًا، ردا على وابل من الصواريخ التي أطلقتها قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني على إسرائيل، كانت دافعًا لروسيا، لتوسيع رهاناتها، من خلال العمل للحد من التهديدات التي تواجه إسرائيل بسبب الأنشطة العسكرية الإيرانية في سوريا. وقالت الصحيفة إن إنشاء "منطقة عازلة" على طول الحدود الخالية من القوات الموالية لإيران، يقلل من احتمال قيام طهران بإطلاق صواريخ قصيرة المدى على إسرائيل، ونشر عشرات الآلاف من المرتزقة الشيعة على مسافة قريبة من الدولة اليهودية. اقرأ المزيد: هل تعود الأنشطة الإسرائيلية والإيرانية في سوريا إلى سابق عهدها؟ علاوة على ذلك، فإن أي قرار من جانب موسكو للسيطرة على طهران، يمكن تفسيره على أنه انتصار لإسرائيل، وهو ما يعزز بدوره شرعية سياستها الحالية. وأشار أفي ميلاميد، الباحث في شؤون الاستخبارات والشرق الأوسط في معهد "أيزنهاور" بواشنطن، إلى أن روسيا تحمل "ورقة ضغط" قوية جدا كطرف فاعل في الصراع السوري، وبالتالي قد تتمكن من فرض إرادتها على طهران. وصرح ميلاميد، أنه "فيما يتعلق بسوريا، كان التطور الرئيسي هو التدخل الروسي في سبتمبر 2015"، مضيفًا أن "هذا قلب المعادلة بالكامل رأسًا على عقب، وكانت الأداة العسكرية التي أنقذت الأسد، ومع ذلك، فإن توازن القوى في سوريا معقد للغاية، وهناك بعض الفجوات الكبيرة وغير القابلة للحل بين روسياوإيران". وأكد أن "بوتين يريد أن تكون طهران قوية بما فيه الكفاية للقيام بالعمل القذر على الأرض، لكن ليس بالقوة التي تمكنها من تغيير مسار الأمور في سوريا". ويقول ميلاميد إن "بوتين يبحث أيضًا عن حل سياسي في سوريا، ويفهم أن السيناريو الوحيد الممكن هو ترتيب يعترف بالنسيج السني للأمة، ولتحقيق هذا الهدف، لن تتردد روسيا في التخلي عن إيران الشيعية، التي جندت أعدادًا كبيرة من أتباعها من المسلمين في سوريا في محاولة لتغيير التركيبة الديمغرافية". اقرأ المزيد: روسيا عن مطالب أمريكا بسحب القوات الإيرانية من سوريا: «غير قانونية» وأكمل أن "الإيرانيون يعرفون ذلك ولا يملكون في الوقت الحالي سوى قدر ضئيل من القدرة على المناورة، لا سيما بالنظر إلى أن واشنطن ستعيد فرض العقوبات". وترى الصحيفة العبرية، أنه على الرغم من ذلك، ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن الاتفاق المفترض هو إجراء حدودي غير مكتمل، لأنه لا يمنع إيران من تعزيز وجودها في أماكن أخرى في سوريا. وفي هذا الصدد، من الجدير بالملاحظة أن معظم العمليات الإسرائيلية السابقة عبر الحدود التي تستهدف الأصول الإيرانية، إن لم يكن كلها، قد أجريت خارج المنطقة المحظورة المقترحة، والتي تقترح التقارير أنها تمتد إلى عمق 40 كيلومترًا كحد أقصى في الأراضي السورية. في ظل هذه الظروف، فإن طهران لديها الحرية، في الوقت الحاضر، لبناء منشآت تنتج أو تحتفظ فيها بأسلحة قادرة على إلحاق الأذى بإسرائيل عن بعد، وفي الوقت نفسه توحد القوى التي تسيطر عليها، والتي مازال لديها القدرة على تنسيق مثل هذه الهجمات. وأكد الجنرال يوسي كوبرفاسر المدير العام السابق لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، ومدير مشروع في مركز القدس للشؤون العامة أنه "لا يوجد اتفاق (مع روسيا) لأن إسرائيل تريد أكثر من ذلك بكثير". وأضاف "أن اسرائيل تطالب بأن تتخلى إيران عن مشروعها العسكري في سوريا تماما، ولن ترضى بخلاف ذلك"، مشيرا إلى أن قاعدة "التيفور" الجوية التى أطلقت منها إيران، في 10 فبراير الماضي، طائرة بدون طيار اخترقت المجال الجوى الاسرائيلى، تقع على بعد 250 كيلومترًا من الحدود. وأكمل "لهذا السبب تقول إسرائيل أنها لا تستطيع تحمل أي قوات إيرانية في سوريا، وهو أمر يمكن تحقيقه، لكن لن يتحقق بسهولة". اقرأ المزيد: المواجهة الإسرائيلية الإيرانية.. طهران تستعد وتل أبيب تحذر الجدير بالملاحظة أيضًا أن التفاهم الأخير بين روسيا وإسرائيل، يسمح باستمرار حرية الحركة الإسرائيلية في المجال الجوي السوري. وقالت "جيروزاليم بوست" إن روسيا تفهم اليوم، بشكل أفضل من الماضي، أن أنشطة إيران خطرة، لأنها تسبب في تصعيد يهدد مصالحهم. وفي الوقت نفسه انسحبت الولاياتالمتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية، وأوضحت أنها تتوقع أن تتخلى إيران عن طموحها في أن تكون قوة مهيمنة في الشرق الأوسط. وفي حين كانت التطورات الأخيرة، مفيدة بلا شك لإسرائيل، إلا أنه من المرجح أن يستمر الوضع الراهن طالما بقيت الحكومة ملتزمة بمنع إنشاء بنية عسكرية إيرانية دائمة في أي مكان في سوريا. وفي هذه الأثناء، كسبت موسكو المزيد من الوقت لاستكشاف ما إذا كان يمكن تحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار في سوريا، دون الحاجة إلى التخلي عن إيران.