عندما بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم إلى قومه والناس كافة ليبلغ رسالاته السماوية، ويرشدهم إلى الدين الإسلامي، كان يعلم كم المخاطر التي سيتعرض لها من قومه، فلم يتركه وحيدا بل سانده برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حتى إنهم حملوا أرواحهم على أكفهم، وخاضوا المعارك بكل شجاعة من أجل نشر الدعوة، وكانوا يتمنون الشهادة في كل معركة يخوضونها، حتى يفوزوا بالجنة التي وعد الله في كتابه الكريم، ومن هؤلاء جعفر بن أبي طالب، الذي لقب ب"الشهيد الطيار". من هو جعفر بن أبي طالب؟ هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، بن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأمه هي فاطمة بنت أسد التي عاش الرسول في كنفها، وكان من السابقين في الإسلام، ممن صدقوا النبي، وساندوه في دعوته. أذن النبي محمد إلى جعفر وزوجته بالهجرة إلى الحبشة، حيث كان هناك ملك يدعى النجاشي معروف عنه عدله وأنه لا يظلم عنده أحد. وتولى جعفر زعامة وفد المسلمين الذي أرسله النبي إلى النجاشي لتوضيح مبادئ الدين الإسلامي له، وتقبل النجاشي كلمات جعفر بصدر رحب، وانشرح قلبه للدين الإسلامي، ورزق جعفر بمولوده عبد الله وهو في الحبشة. ومن كلمات جعفر إلى النجاشي "أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك"، وطالبه النجاشي أن يتلو عليه ما جاء به محمد من عند الله فتلا عليه سورة مريم، فقال له النجاشي: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة»". وبعد فتح خيبر هاجر جعفر إلى المدينةالمنورة، ولقب بأبي المساكين، بسبب كرمه وعطفه على الفقراء، ومساعدتهم في قضاء احتياجاتهم. الشهيد ذو الجناحين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم، في غزوة مؤتة، وطالبه أن يحمل الراية إذا أصيب زيد بن حارثة، وكان يدافع في الغزوة بشجاعة وبكل ما أوتي من قوة، وبعد استشهاد زيد بن حارثة، أخذ جعفر الراية بيمينه، فلما أصيب وقطعت يده اليمنى، أخذ الراية باليسرى، فلما قطعت اليسرى، أخذ الراية بعضديه، واستشهد وهو ممسك بها، وكان عمره بضعا وثلاثين عاما، وقال عنه الرسول "أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة"، لذا لقب بالشهيد الطيار.